الرئيسية » مقالات رأي
معذرة يا رسول الله !!
السبت, 04 فبراير 2012 - 11:23 am عدد الزيارات: 34
1
بقلم: وائل علي البتيري
لم يكن للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم - وقد تعهّد اللهُ تعالى له بالنصرِ والتمكين - أن يركنَ إلى زاوية من زوايا مسجده منتظراً تحقيق الوعد الإلهيّ، وإنما كان عالي الهمّة، قويَّ العزيمة، دائمَ الحركة، لا يهدأ له بال، ولا يقرّ له قرارٌ، لأنه صاحب رسالةٍ مكلَّف بأدائها على وجهها الحقيق بها.. فحتى سويعات الليل التي جعلَها الله لباساً لبني آدم، تسكن فيها عزائمهم، وتنطفئ لظلمتها حركاتُهم، لم يكن لينامَ فيها حتى يقومَ مناجياً ربَّه، متوسِّلاً إليه أن يوفِّقه في دعوته، مستعيناً بروحانيته الفريدة على أعباء طريق الدعوة حيث يواصل المسير مع طلوع فجر اليوم التالي.كان يستشعر عليه الصلاة والسلام المسؤولية الكبيرة والحملَ الثقيل الملقى على عاتقه في تبليغ هذا الدين للبشرية جمعاء.. إنه كان يحمل همَّ كلّ إنسان على وجه البسيطة مُذ كُلِّف بالبلاغ إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها، فجاد بقواه كلِّها حتى غدا جسدُه محطوماً صلى الله عليه وسلم.. فعن عبدالله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي جالساً؟ قالت: بعدما حطمَه الناس.بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.. حَمّله الناس همومهم وأثقالهم، ولم يضنَّ هو في حملها، ولا خالطه في ذلك الضجر أو التأفف أو التثاقل أو التردد أو شيءٌ مما يشابه ذلك أو يقاربه... حملَها كلَّها.. ولا والله ما ضاق ذرعاً في حملها.. لم يثبّط عزيمته طول الطريق، ولم يساوره القعود رغم مشقة المسير، ولم تلن له قناة مع ازدياد الحمل شيئاً فشيئاً.. بل كان هو هو.. يراكم الحمل فوق كتفيه والابتسامةُ لا تفارق محيّاه، والأملُ بالله يملأ فؤاده الرقيق، والنصر الأكيد مستقرٌّ في حدقتيه الشريفتين.. يمشي إليه على جسر من المشقة الباهظة، حيث لا راحة إلا في دار السلام..هذه الحقيقة كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مَظهرها ومَجلاها على التمام، حتى إنه لما بكى عمر رضي الله عنه على حال القائد الأعلى، وهو يراه يجلس على الحصير فيعلّم بجنبه الشريف، مستذكراً كيف يعبث كسرى وقيصر في الدنيا؛ قال عليه الصلاة والسلام لعمر: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) قال: بلى، قال: (فإنه كذلك).. }ومَن أراد الآخرةَ وسعى لها سَعيَها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سَعْيُهم مشكوراً{.نعم.. ربّما اضطرّه هذا الحملُ الثقيل أن يصلّي جالساً (بعدما حطمَه الناس).. إلا أنه لم يذُق طعمَ الخور يوماً، ولم يعرف العجزُ طريقاً إلى دعوته التي لم تفارقه حتى وهو يلفظُ أنفاسَه الأخيرة ويقول: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم).}يا أيها المدثر. قُم فأنذر...{، }يا أيها المزمِّل. قم الليل إلا قليلا...{، }إنا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً{.. آياتٌ ظلّت تتردّدُ في مسامعه، تُقعده من نومه، وتخلع عنه ثوب الراحة والدَّعة، حتى إنه ليخوض المعامع الكبار، ويحتمي به فيها الصحابة الأخيار.. فعن علي رضي الله عنه قال: (كنّا إذا احمرّ البأسُ، ولقي القومُ القومَ، اتّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحدٌ أدنى من القوم منه)..يا لله ما أعظمه من قائد هُمام، يلوذ به الصناديدُ من أصحابه.. يذود عنهم، ويحمي حوزتهم، ويدفع بصلابته السيوف والسهام والرماح.. ويكأنه السور الحصين، والجدار المكين الذي يختبئ خلفه المطمئنون إلى أنه الحافظُ لهم من ضربات الأعداء الأقوياء.. هذا السور الواقي ظلّ يتلقى عن الناس السهام حتى حطموه عن الصلاة واقفاً.. ولكنهم لم يحطموا فيه عزيمته الوقّادة في الدعوة والجهاد.هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهكذا كانت حركته الدائبة المستمرة التي أثمرت كياناً رفع للحق راية، وأقام للإسلام دولةً لا زال التاريخ يذكر عدلها، ويستذكرُ مآثرها، ويحكي عن عزتها القصص الطوال، حتى غدا الزمان والمكان في شوق إليها أو إلى مثلها.راحت تلك الأيام، وصارت دولة الإسلام دويلات تحكم بقوانين الغرب والشرق، وتستجدي عدوَّها أن يرضى عنها، وأن يغفر لها عزة أجدادها السابقين الأولين، ولسان حالها يقول: (ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى)..!وأما ورثة الأنبياء.. الذين كان ينبغي أن يتمثلوا حركة النبي العظيم عليه الصلاة والسلام، فقد تنازعوا حتى فشلوا وذهبت ريحهم.. وحالُهم صارت إلى ما لا تكفي مجلدات في وصف الرزايا التي آلت إليها.. حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم يُسبّ ويُهزأ به بين ظهرانيهم، وهم لا يملكون إلا أن لا يملكوا شيئاً!فهل يصلح بعد هذا أن يقال: معذرة يا رسول الله.. فلقد ضيعنا الأمانة.. وما رعيناها حقَّ رعايتها؟!
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني *
Saturday, February 04, 2012
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment