فقه الطاعة
مقدم الحلقة: عثمان عثمان
ضيف الحلقة: أحمد الريسوني/ خبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي- جدة
تاريخ الحلقة: 12/2/2012
- من هم أولو الأمر؟- حدود الطاعة وشروطها- حكم البيعة من الناحية الشرعية- الفقهاء وعملية التحول في الفكر السياسي- مدى تطور المفاهيم الشرعية الجديدة- توظيف القرآن الكريم والحديث الشريف لخدمة استبداد الحكام
عثمان عثمان
أحمد الريسونيعثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: 59] الطاعة هي المقابل الملازم للسلطة المطلقة وهي الفضيلة التي اكتست طباعا دينيا وأخلاقيا عبر عامة الخطابات الدينية والسياسية والفقهية وترتب عليها استبدال عريض، فمن هم وأولي الأمر وما شروط طاعتهم؟، وكيف تم توظيف القرآن الكريم والحديث الشريف لخدمة استبداد الحكام فقه الطاعة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة، مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني، الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، مرحبا بكم فضيلة الدكتور.
أحمد الريسوني: أهلا وسهلا.
من هم أولو الأمر؟
عثمان عثمان: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، من هم أولي الأمر؟.
أحمد الريسوني: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أولو الأمر عند المفسرين وعند العلماء المذكورين في الآية التي تلوتها علينا هم العلماء والأمراء، هذا التفسير الذي عليه جمهور المفسرين والمحققون من المفسرين، لأن هناك من صرف أولي الأمر للعلماء وحدهم، وهناك من صرف الأمر للأمراء وحدهم، ولكن التحقيق أن أولي الأمر يكون لهم أمر هذه الأمة ويكون لهم حق الأمر فيها والنهي فيها وهم العلماء والأمراء، وقال العلماء وقال المفسرون إن أولي الأمر الأصليين هم العلماء والأمراء تبع لهم لأن الأمير يكون عالما فحينئذ بصفته عالما صار من أولي الأمر وإما أن لا يكون عالما فالمفروض أن يكون تابعا في تدبيره وتصرفه لما يقوله العالم إذن في النهاية صفة العلم هي المؤهل الأول الذي يجعل الناس من أولي الأمر.
عثمان عثمان: لكن متغيرات التاريخ والسلطة اليوم ربما فرضت متغيرات جديدة على مفهوم أولي الأمر نتحدث عن مواقع جديدة لاتخاذ القرار داخلية وخارجية، هل يعني ذلك تغييرا أيضا لتعريف ولي الأمر؟
أحمد الريسوني: هو أولا كما قلت رغم أن العلماء والمفسرين على أولي الأمر تشمل العلماء والأمراء، فالذي شاع في الاستعمال والذي أصبح يتبادر في الأذهان هو أن أولي الأمر هم الحكام، وعلى هذا يرد ما ذكرتم وهو أولي الأمر عبر التاريخ يتجسدون ليس بالضرورة وليس دائما في أشخاص ولا في شخص واحد هو رئيس الدولة أو الإمام أو الخليفة، بل أولو الأمر وقبل اليوم ولكن أولي الأمر في تطور مستمر، أولو الأمر يتجسدون في الدولة بكامل أركانها وكامل مسؤوليها وكامل قوانينها، اليوم الذي يمتثل أو يطيع أو كذا لأولي الأمر فان عليه أن يطيع قوانين وأشخاص ومؤسسات وزارت وأنظمة، فإذن أولو الأمر الآن متجسدون في القوانين والمؤسسات والدول هذا هو المفهوم الجديد.
عثمان عثمان: خاصة وأن العلماء ربما اليوم لم يعد لهم دور بارز في اتخاذ القرار على مستوى المؤسسات الرسمية..
أحمد الريسوني: هذا صحيح، ولذلك ذكرت أن أولي الأمر أصبحت تنصرف الآن بحكم الواقع، أما من الناحية العلمية من حيث تفسير الآية فهو ما ذكرت، لكن من الناحية الفعلية الآن، فعلا العلماء خرجوا من مصطلح أولي الأمر.
حدود الطاعة وشروطها
عثمان عثمان: خرجوا من دائرة صنع القرار، دكتور يعني متابعة مع الآية " وأطيعوا" مفهوم الطاعة هنا ما حدودها ما شروطها ما ضوابطها؟.
أحمد الريسوني: لو أردنا أن نلخص الطاعة بالمفهوم الإسلامي بكلمة واحدة فهي الطاعة في المعروف كما جاء بالحديث النبوي الشريف ((إنما الطاعة في المعروف)) فإذن الطاعة المقصودة أن هناك شرع والمفاهيم الشرعية والحدود الشرعية والرسوم الشرعية، وهناك الواقع الذي نتحدث اليوم أيضا عنه وربما نتحدث عنه أكثر بكل آفاته وحمولاته، فإذن الطاعة في الإسلام هي الطاعة للولي الشرعي بعلمه أو بسلطانه الشرعي إذا تولاه وكان فيه بصفة شرعية ثم حتى هذا تكون طاعته بالمعروف، طاعة في المعروف، وكلمة المعروف توحي له على الأشياء المشروعة على الأشياء المعقولة على الأشياء المتعارف عليها على الأشياء المنطقية على الأشياء المصلحية على الأشياء النافعة، فكل طاعة كانت في هذا النطاق، في النطاق الشرعي والعقلي والعرفي الحميد وما هو مصلحة ومنفعة فالطاعة تكون هنا وهذه هي الطاعة بالمعروف لكن طبعا لكن طبعا الواقع شيء وهذه المفاهيم شيء آخر، فنحن الآن نجيب عن الطاعة بالمفهوم الشرعي فهي الطاعة كما قال علية الصلاة والسلام(( إنما الطاعة بالمعروف)) لكن قبل ذلك أن تكون لمن يستحق الطاعة.
عثمان عثمان: الأخ يوسف أسامة يسأل على الفيسبوك هل الطاعة تنحصر في الإمامة الكبرى يعني الخلافة؟
أحمد الريسوني: لا، أنا ذكرت الآن في جميع أطوار التاريخ وحتى من الناحية المنطقية لا يمكن للطاعة أن تنحصر في شخص واحد.
حكم البيعة من الناحية الشرعية
عثمان عثمان: متابعة للأخ محمد عريضة وعماد حمدي يسألان نفس السؤال تقريبا، على أنقاض الخلافة قامت حركات إسلامية لتعيدها من جديد وكل قائد لهذه الحركات طلب اخذ البيعة له، ما حكم البيعة في هذه الحالة شرعا وهل هي ملزمة كبيعة ولي الأمر؟
أحمد الريسوني: البيعة درجات، لكن عادة إذا أطلقت البيعة، إذا أطلقت بدون تحديد ولا ضبط ولا يعني توصيف المقصود بها بيعة الحاكم الفعلي، إذن بيعات أخرى هذه عادة لا تسمى وإن كان من الناحية الاصطلاحية ومن الناحية الشرعية، البيعة هي اتفاق هي توثيق لاتفاق، فهذه البيعة بصفة المطلق قد تكون البيعة بين مجموعة أفراد على أن يلتزموا بأغراض أو إعمال علمية أو عملية أو دعوية أو التزامات سلوكية أو ما إلى ذلك تسمى بيعة، جمعية، جماعة إلى آخره، يتبايعون أي يتعاقدون ويتواثقون لكن الاستعمال الشهير والاستعمال إذا أطلق للبيعة فهي بيعة لإمام شرعي حاكم فعلي وليست لسواه، هذه هي البيعة إذا أطلقت، فتكون البيعة لما يسمى بالاصطلاح اليوم لرئيس دولة أي لحاكم سواء سمي خليفة أو رئيسا بغض النظر عن الأسماء، فهذا هو الذي يمكن أن يبايع البيعة السياسية المعروفة وغيره لا يبايع هذه البيعة، لكن البيعة لغة تحتمل كل هذه المعاني.
عثمان عثمان: لا بأس موضوع البيعة للشيخ، لرئيس الحركة؟.
أحمد الريسوني: لكن أن نفرق، أن نكون على بينة إذا التبس الأمر أو كان عرضة للالتباس نقول لا هذه ليست بيعة ولا تصح هذه البيعة، لأننا إذا بايعنا أئمة وصار كل واحد يبايع، هذه هي الفوضى والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من هذا إلى درجة أنه قال ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) لأنه سيشق الصف ويقسم الأمة وقد حصل هذا بالفعل، فإذن البيعة بالمعنى المتعارف والمعنى المطلق إذا أطلق فهي بيعة حاكم شرعي حيث شهور المنصب، لأن لا بيعة معه، فإذن يجب أن يعلن شهور المنصب قبل أن نبايع.
عثمان عثمان: تحدثتم عن الطاعة لولي الأمر سواء تمثل في الخليفة أو الإمام أو الرئيس أو المؤسسات الدستورية الآن في ظل أنظمة استبدادية قاتلة مجرمة افتقدت لكل معاني الشرعية السياسية ما مصير الطاعة هنا؟.
أحمد الريسوني: الطاعة التي ذكرتها في الإسلام قلت من شروطها بأن تكون طاعة في المعروف هذا أولا، فإذا خرجت عن المعروف فلا طاعة، والأحاديث كما أن هناك آية تقول {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا}[النساء: 59] ، هناك آية تقول ولا تطيعوا { وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ }[ الشعراء: 151-152] إذن هناك حالات أطيعوا وفي حالات لا تطيعوا، ولا تطيعوا أمر المسرفين فما تسأل عنه وما تصفه يدخل في المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، في هذه الحالة الله يقول ولا تطيعوا والرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، كما أن هناك أحاديث كثيرة أمرت بالطاعة حيث يجب الطاعة، وحيث تكون الطاعة في محلها عملا بنأي وعملا محتضرا فإن هناك أحاديث عديدة نهت عن الطاعة، الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا في الحادثة المعروفة في الصحيحين أرسل سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فلما ذهبوا في مهمتهم قال الرجل وقد أغضبوه في سبب من الأسباب قال: هلموا إلي اجمعوا لي حطبا فجمعوا له الحطب، أطاعوه، قال: أشعلوا فيه النار، أضرموا النار، قال: ادخلوها، ففوجئوا وصدموا وارتبكوا، بعضهم قالوا: أمرنا رسول الله أن نطيعه بعضهم قال لا يمكن نحن اتبعنا هذا الرسول فرارا من النار فكيف ندخل النار؟ فظلوا في جدل حتى انطفأت النار، فلما عادوا إلى رسول الله وحكوا له الحكاية قال للذين امتنعوا قولا حسنا، للذين امتنعوا ولم يطيعوا، وقال للآخرين: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا أو ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، وقال قولته التي أصبحت قاعدة في موضوع الطاعة (( إنما الطاعة بالمعروف)) وفي الحديث أيضا (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) فإذا كان هناك مجرم أو فاسق أو خارج عن الشرع فلا طاعة له، هنا نتذكر، لابد أن نتذكر المشهد العظيم، المشهد التاريخي حيث بويع أبو بكر الصديق كأول خليفة للمسلمين لما بويع، طبعا بويع باختيار وطواعية وبعد نقاشات معروفة مشهورة ومتواترة قام فحمد الله وأثنى عليه وخطب في الناس خطبة قصيرة وقال فيها من بين ما قاله: ((فإن أطعتوا الله فأطيعوني ما أطعت الله ورسوله، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله)) إذن هذا أبو بكر الذي يعرف الآيات ويعرف الأحاديث واكبر معاشر ومصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤسس هذا المبدأ الدستوري، ((أطيعوني ما أطعتوا الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)) فهذا إعلان صريح وواضح من أول الأمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن الطاعة ليست للمجرمين، الطاعة للمسلمين وللصالحين وللأولياء الشرعيين وفي حدود المعروف وفي حدود الشرع.
عثمان عثمان: أحد الباحثين دكتور يرى أن الطاعة أصبحت جزءا لا يتجزأ من السياسة الشرعية عند أهل السنة والجماعة، ما مدى صحة هذا الموضوع يعني دقته تاريخيا وفقهيا؟
أحمد الريسوني: لا صحيح، نحن الآن نتكلم أساسا على أهل السنة والجماعة فالطاعة بالمعروف والطاعة لمن يستحقها والطاعة في حدود الشرع، هذا فعلا جزء أظن من عقيدة جميع المسلمين ولكن أهل السنة والجماعة عرفوا فعلا بالتنصيص على مبدأ الطاعة وعدم الخروج، لكن الطاعة وعدم الخروج شيء متبادل، نحن نطيع من يطيع الله ورسوله، إذن هذه العملية متبادلة ونحن ننصر من نصر الله، ونحن نعصى من عصى الله، الرسول صلى الله عليه وسلم سئل ولكن أيضا اخبر دون سؤال، قال: ((يكون عليكم أمراء يطفئون السنة ويحيون البدعة)) قال ابن مسعود يا رسول الله: كيف أفعل إن أدركوني؟ قال: وتسألني يا بن أم عبد لا طاعة لمن عصى الله عز وجل))، فإذن الطاعة عقيدتنا حيث تكون طاعة بناءة بل الطاعة عموما في الحياة البشرية وفي التاريخ البشري من حيث الأصل هي نوع من التحضر في الحياة البشرية، في الحياة البشرية لابد لها من قيادة ومن مؤسسات، والقيادة والمؤسسات لا معنى لعملها ولا ضمان لنجاحها إلا بنوع من التعاون ممن يعنيهم الأمر وهذه هي الطاعة، ولذلك قال الإمام علي رضي الله عنه: ((لا رأي لمن لا يطاع))، صاحب الرأي يصبح رأيه عبثا وبدون قيمة إذا كان لا يسمع له ولا يطاع له، لكن في هذه الحدود فأهل السنة ليسوا أهل تطرف لا إلى اليمين ولا إلى الشمال لا يلغون الطاعة ولا يدعون إلى الفوضى وإلى العبث وإلى الاقتتال والفتنة والتمرد والانشقاق بدون أي سبب لكنهم أيضا لا يقبلون الطاعة المطلقة أبدا هذا غير موجود عند العلماء المعتبرين، وقبلهم في نصوص القرآن الكريم وفي الأحاديث مثلما أذكر الآن، الرسول يقول: ((لا طاعة لمن عصى الله عز وجل)) ((لا طاعة لمن لم يطع الله)) هذه كلها أحاديث معروفة، فكما هناك أحاديث تدعو للطاعة وهناك أحاديث تقول لا طاعة في كذا وكذا وكذا.
عثمان عثمان: كيف نوفق بين هذه الأحاديث؟.
أحمد الريسوني: هذا هو الفقه الصحيح، وهذا هو الفقه المطلوب ليس بإمكان احد أن يلغي بعض الأحاديث ويعمل بعضها، هناك من يتجاهلون الأحاديث التي فيها لا طاعة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله لا طاعة لمن لم يطع الله هذه كلها أحاديث، إنما الطاعة في المعروف، وهناك الأحاديث التي تأمر بالصبر والطاعة وإلى آخره، التوفيق هو كما ذكرت وأكرر، الطاعة تكون لمن يستحقها، الطاعة تكون لمن أمر في شيء يدخل في المعروف وفي الشرع وفي المصلحة، إذا خرج عن هذا إذا خرج إلى المعصية إذا خرج إلى العبث إذا خرج إلى السفه، إذا خرج إلى الظلم ولا تطيعوا أمر المسرفين، إذن هذا هو التوفيق بين هذه الأحاديث كل حديث يوضع في موضعه وينزل على حالته.
عثمان عثمان: تاريخيا يلاحظ أن مبدأ الطاعة متلازم مع السلطة كيف نفسر ذلك؟.
أحمد الريسوني: هذا شيء ضروري لكن ربما المقصود في السؤال الآن صار مفهوم الطاعة لكثرة ما أسيء إليه ولكثرة ما أسيء استعماله وفهمه وتحريفه، أصبحت الطاعة كناية عن الخضوع المطلق والسلطة المطلقة والحقيقة كما يقال أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة والطاعة المطلقة مفسدة مطلقة، ليس هناك طاعة عمياء وليس هناك طاعة مطلقة أبدا هذا غير، حتى الصحابي الذي، عبادة بن الصامت الذي روى الحديث المعروف وبايعنا الرسول صلى الله عليه وسلم على..
عثمان عثمان: ناقشناه في فقه الثورة.
أحمد الريسوني: نعم، في إضافة مهمة توجد في بعض الروايات أنه لما ذكر هذا الحديث سأله سائل قال بمعناه: ((هل أطيعة في كل شي، قال: إن أطعته في كل شيء وإن أطعته الطاعة المطلقة حسب ما يفهم من السياق أُخذ في قوائمك فألقي بك في النار فليأت هذا الأمير فليخرجك من النار)) بمعناه هو الذي روى هذا الحديث فيكون من أفقه الناس به، هذا الحديث لا يعني الطاعة المطلقة حتى حينما يقول الطاعة في المنشط والمكره، المكره قد يدعو هذا الإمام إلى الجهاد والناس كلها قد تكره هذا الجهاد، فيجب أن يستجيبوا، إذا دعا إلى إنفاق وإلى مشاريع وإلى تعبئة وإلى إنقاذ وإلى حالة إغاثة يجب أن ننفق ولو كنا كارهين، فهذا معناه أن الطيعة في المنشط والمكره وليس معناه أن نطيع في المعصية، فإذن اقترنت الطاعة بالسلطة المطلقة هذا تاريخ، وإلا فنحن تقترن السلطة الشرعية بالطاعة الشرعية بالحاكم الشرعي، الحاكم الشرعي والأمر الشرعي والطاعة الشرعية هذا الثلاثي لا ينفصل فإذا انفصل فهذا شيء آخر غير الشرع.
عثمان عثمان: هناك من يقول بأن الاستبداد الديني ربما يولد الاستبداد السياسي هما إخوان أو صنوان متضافران هل ينطبق هذا على واقعنا التاريخي؟
أحمد الريسوني: بدون شك هذا صحيح يعني الرسول صلى الله عليه وسلم، لماذا، وقبل ذلك القرآن لماذا التحذير من آفات بني إسرائيل وآفات الأمم السابقة ومن آفات أهل الكتاب وكان من قبلكم وهذه كلها للتنبيه على أن سنن الله مضطربة، في حديث في صحيح مسلم وأيضا له صلة بموضوعنا (( ما من نبي بعثه الله قبلي إلا وكان له أتباع أو أنصار وحواريون يهتدون بهديه ويقتدون بسنته ثم تخلف خلوف، قالوا: ماذا نفعل يا رسول الله، قال: من جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) إذن كان هدف الأمم ما من نبي إلا وكان أيضا، إذن هذا يكون أيضا بين المسلمين هذا تحذير لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر، ولكن طبعا كثيرون وقعوا في هذا وجاءت الطاعة الاستبدادية وولدت الاستبداد، وليس فقط الطاعة، هناك عدة نظريات ظهرت في الفكر الإسلامي وفي التاريخ الإسلامي مثلا ظهور طائفة الجبرية، هؤلاء كرسوا الاستبداد هؤلاء جاءوا بالاستبداد خدموا الاستبداد، الجبريون هناك نظرية عند بعض الصوفية تقول بإسقاط التدبير أي اترك الأمور على ما هي عليه، لا تعاند إلى آخره، الأمر مدبره حكيم، هؤلاء في الحقيقة لا يسقطون التدبير وإنما يسقطون التكليف في النهاية، بمعنى لا تعارض لا تنتقد لا تقول لا تنطق لا تغير لا بيدك ولا بكذا هذا يسمونه بعض الصوفية إسقاط التدبير وهناك كتاب بهذا العنوان، إلى الآن بعض الناس يرددون هذا ويعتبرون الدخول في التدبير ومحاولة التدبير هي نوع من المشاكسة والمنافسة لصاحب التدبير الأوحد سبحانه وتعالى وهذا حتى قد يعده بعضهم نوع من الشرك فإذن الاستبداد مفهوم الطاعة نعم، مفاهيم عديدة دخلت في علم الكلام وفي التصوف وفي الفقه أيضا، هي في الحقيقة ربما ليست هي التي صنعت الاستبداد وربما الاستبداد هو الذي صنعها وغذى هذه الأفكار ليسيج بها نفسه وهذا واقع تاريخ.
الفقهاء وعملية التحول في الفكر السياسي
عثمان عثمان: ربما الفكر السياسي اليوم دكتور تجاوز كل مواريث فقه الطاعة إلى قضية الشراكة أو العلاقة التعاقدية بين الرئيس، الرعية لم تصبح يعني لم تعد ملك السلطان أمام هذا التحول في الفكر السياسي ومفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ما واجب الفقهاء؟.
أحمد الريسوني: أولا هذا التحول هو صحيح هذا تطور لما كنا عليه إلى وقت قريب وخلال قرون لكنه في الحقيقة رجوع إلى الأصل، لأن فكرة التعاقد وفكرة أن الإمام خادم للراعية ووكيل عنهم هذا موجود في الفقه الإسلامي، جمهور الفقهاء خاصة من أهل السنة، خاصة من أهل السنة يعتبرون أن الحاكم سواء سميناه خليفة أو بأي اسم إنما هو وكيل والوكيل يحتاج إلى موكل لا وكيل بدون موكل، نحن وجدنا سلاطين وملوك وخلفاء ورؤساء أعطوا لأنفسهم الوكالة ولم يوكلهم أحد، نظرية الفقهاء المسلمين المتجردين أن الخليفة وكيل فإذن الوكيل يحتاج إلى من يوكله، ويحتاج إلى من يتعاقد معه، الوكالة على ماذا؟ فإذن هذا التطور الذي نراه اليوم في الفكر السياسي وعلى كل حل يسود الآن عبر العالم هو الفكر الأصيل وهو المبدأ الأصيل الذي على الفقهاء ليس فقط مسايرة للتطور، التطور شيء جيد نرحب به ونستفيد منه لكن مجارة للأصل في الولاية وللأصل في الخلافة وللأصل في الحكم انه وكالة عن الأمة وهذه الوكالة يعقدها أهل الحل والعقد أو للأمة أن تقعدها مباشره فإذن نحن بقدر ما نحتفي بالتطورات الحديثة والجديدة في الفكر السياسي وفي الممارسة وفي التجربة السياسية بقدر ما يجب أن نرجع إلى تأصيل الأمور من بدايتها، ففي بدايتها تعاقد، نظرية الإمامة هي تعاقد وهناك قلة قليلة من المتأخرين الذين اسقطوا فكرة التعاقد وجاءوا بفكرة الولاية التي شبهوها بولاية الأب على أبنائه وهذه نظرية فاسدة لا أساس لها عند السلف المتقدمين ولا عند كبار الفقهاء، جمهور الفقهاء من الصحابة على أن هذا تعاقد.
عثمان عثمان: اليوم الفقهاء أمام هذه التحديات، أمام هذه التطورات والمتغيرات، هل هناك من دور للمجامع الفقهية، المؤسسات العلمية الدينية، للخروج برؤى جديدة في مفهوم الطاعة في مفهوم السلطة في مفهوم الولاية، أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
مدى تطور المفاهيم الشرعية الجديدة
عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي نتحدث فيها عن فقه الطاعة مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني، الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أنتم خبير في مجمع الفقه الإسلامي هناك مجامع فقهيه كثيرة أمام كل هذه التطورات هل من رؤى جديدة من مفاهيم شرعية جديدة؟.
أحمد الريسوني: بخصوص المجامع على وجه التحديد وخاصة إحنا نذكر الآن مجمع الفقه الإسلامي الدولي، هذه المجامع الدولية والتي يتشكل أعضاءها من معينين من الحكومات، هذه عادة مكبلة بوضوح مكبلة أولا بكون أعضاء هذه المجامع أكثرهم معينون ووراءهم حكومات وسياسات ومواقف رسمية من الصعب عليهم أن يتجاوزوها ومكبلة أيضا بكثرة هؤلاء الأعضاء وتنوعهم فعادة هذه المجامع تعمل ببطء وتختار القضايا التي يمكن فيها التوافق.
عثمان عثمان: بطبيعة الحال، نسأل عن دور الفقهاء الآن في هذا الموضوع؟
أحمد الريسوني: نعم الفقهاء الأفراد أو على صعيد بعض الأقطار الإسلامية والعربية التي تحررت هناك تطور الآن وأقول إن الفقهاء الآن بصدد إعادة صياغة كثير من القضايا والمفاهيم وإعادة بناء فقه السياسي الشرعية أو الفقه الدستوري وأنا في حلقة ماضية أشرت وأشدت بوثيقة الأزهر في هذا الباب فالآن هذه المبادرات الفردية أو القطرية الآن جارية وخاصة الأقطار التي عرفت غليانا وعرفت ثورات، الآن الفقهاء بطبيعة الحال يعيدون النظر ويعيدون بناء إجابات بما يناسب عصرهم وبما يناسب أحوالهم فإذن أظن أن الفقه الإسلامي الفرضي أولا ثم القطري ثانيا بصدد أن يعرف تغييرات جوهريه وأن يعيد بناء هذه المفاهيم التي نتحدث عنها من تعاقد من الحكم بالوكالة من وكالة تسمح بالعزل وتسمح بالمحاسبة إلى آخره، هذا كله الآن فعلا إنا قلت غير مرة إن هناك بعد الثورات العربية ثورة أيضا فقهية وثورة فكرية وزلزال علمي وفكري تعيشه كثير من النخب وكثير من العلماء في معظم الأقطار العربية.
عثمان عثمان: خاصة وأنه ذكر أن فقهاء السياسة الشرعية ذكروا أن احد طرق الاعتراف بالسلطة هو التغلب بالقهر، هل يعني ذلك أن الفقهاء ربما اصبغوا على هذا القهر صفة شرعية معينة؟.
أحمد الريسوني: هو الفقهاء تعاملوا مع ما يسمى بإمامة الاستيلاء أو إمامة المتغلب بنوع من الواقعية إحنا نحن اليوم وإن كنا ننقد بعض الأفكار بالنسبة لظهور هذه الأفكار أحيانا يجب أن ننظر إليها في سياقها فإمامة المتغلب أولا تعامل معها الفقهاء كضرورة وإلا ليس هناك احد من الفقهاء ينص ابتداء على أنه من الطرق المشروعة لتولي الحكم والسلطة التغلب، ليس هناك أحدا من أهل السنة ولا ربما أيضا من غيرهم، التغلب ليس طريقا لأخذ السلطة بصفة شرعية عند أي فقيه لكن كان الفقهاء أحيانا يجيدون أنفسهم أمام سلطة متغلبة ودولة متغلبة على دولة سابقة، والدولة السابقة عادة تكون قد ترهلت وفسدت وضعفت وأصبحت عاجزة أمام العدو الخارجي وأمام الفتن الداخلية فيكون هذا المتغلب بمثابة المنقذ كالذي يحصل الآن أحيانا يقع انقلاب ويكون هذا الانقلاب بمثابة إنقاذ لكن إن استمر في الحكم وربما بنفس الطرق صار كارثة، الانقلاب أو التغيير يجب أن ينقل السلطة بعد ذالك إلى سلطة شرعية إلى وكالة لكن الذي يحصل هو أن المتغلب يبقى متغلبا كما يقع في عادة في انقلابات كل انقلاب يأتي يقول سيقيم انتخابات وسيقيم بعد ذلك يستكين ويستلذ المقام والمقعد فيمضي فإذن المتغلب قد يكون في بعض الحالات ضرورة لا مفر منها هي الحل لبعض الحالات المزمنة من الفساد ومن الترهل فلهذا السبب الفقهاء اعتبروا بأن المتغلب قد يكون ضرورة وقد يكون أهون الشرور لا لأنهم اعترفوا بأنها طريق مشروع وأنه يكتسب الشرعية كما يكتسبها الذي يأتي بالاختبار هذا أبدا لم يقع ولكن طبعا الواقع ثم كثرة ما أضفيت الشرعية على الأمر الواقع يعني ظن الناس أن المتغلب هو كغيره ما دام قد وصل، خلاص انتهى الأمر أبدا فهي حالة ضرورة، لكن لا ننكر أن المحاولات سادت لإضفاء الشرعية وإيهام الناس بأن المتغلب أيضا له من الشرعية ما لغيره، هذا غير صحيح من الناحية النظرية والفقهية، من ناحية الواقع هذا شيء آخر.
عثمان عثمان: دكتور، إذا كان الحكم هو حكم دنيوي لماذا هذا المنزع الديني الذي اكتسبه الملك في كتب التراث السلطاني يعني حتى بعض الفقهاء التقليديين اليوم ينزعون هذا المنزع.؟
أحمد الريسوني: نحن في الإسلام شيء معروف من البديهيات أن الإسلام جاء بنظم ومبادئ وقواعد وتوجيهات لجميع شؤون المجتمع ولذلك لم يختلف الصحابة ولا لحظة واحدة بأنه لابد من خليفة وسموه خليفة على أساس أنه خليفة رسول الله في إقامة الشرع وحماية البيضة وحفظ المصالح، فإذن هذا لا شك فيه أنه في الإسلام السياسة جزء من الإسلام، العمل السياسي جزء من الإسلام، الدولة جزء من الإسلام، فهذا أمر لا غبار عليه، لكن مع ذلك ليس هناك لا دولة دينية بالمفهوم المتداول، ولا كهنوتية ولا سلطة مطلقة ولا احد له نسب مع الله أو له ظهير يحمله من الله تعالى، الولاة يوليهم المسلمون ويعزلهم المسلمون ويتعاقدون معهم بشروط وبتفاصيل، هذا هو الطابع السياسي والدنيوي والمدني للدولة وللحكم، هو أن الناس هم الذين يقررون ويعزلون ويبايعون أو لا يبايعون وهم الذين يقررون عزل الحاكم إن اقتضى حياته أو تحديد ولايته لا مانع بتاتا من تحديد الولاية في مدة معينة وإلى ما ذلك، كل هذه أمور تعاقدية فهي ذات طبيعة بشرية ومدنية في التنفيذ، لكن من حيث المبدأ والتوجيه وجود دولة، وجود حاكم هذا أمر لا مفر منه وهو من بديهيات الإسلام ومما أجمع عليه المسلمون منذ الصحابة.
توظيف القرآن الكريم والحديث الشريف لخدمة استبداد الحكام
عثمان عثمان: دكتور الجانب المقابل للطاعة هو صورة الخليفة أو الإمام أو السلطان اليوم نتحدث عن الرئيس الذي يماثل إلى حد ما من خلال الخطابات السياسية والمحيين والمواليين يمثل صورة الإله عند البعض ربما، لو أردنا أن نحدد صورة أو نرسم صورة للرئيس أو الإمام أو الخليفة اليوم.
أحمد الريسوني: طبعا تذكروني ونعود إلى خطبة أبو بكر قال: (( أما بعد إني وليتُ عليكم ولست بخيركم)) هذا الخطاب نريده مع العلم أن أبا بكر بالإجماع أو ما يشبه الإجماع أنه خير هذه الأمة، بإجماع أهل السنة على الأقل هو خير هذه الأمة ومع ذلك يأتي فيقول: (( قد وليت عليكم ولست بخيركم)) يقول: ((أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة)) فإذن طاعة محدودة، إنسان يحاسب إنسان يعزل إنسان تسلب منه الطاعة حتى ولو كان في مقام أبو بكر من الناحية المبدئية ومن الناحية النظرية فإذن الخليفة في الإسلام هو واحد من الناس يصيب ويخطئ بل حتى الفقهاء من واقعيتهم ناقشوا مسألة طويلة أو النقاش فيها طويل وهي الإمام إذا طرأ عليه الفسق، هل يعزل أو ينعزل تلقائيا أو لا ينعزل، هذا نقاش موجود ومن واقعيتهم أنهم قالوا: إذا كان الفسق هو معصية أي معصية فهي فسق، إذا كان يحصل من حين لآخر..
عثمان عثمان: غير مرتبطة إذا كانت هذه المعصية كبيرة أو صغيرة أو كذا،
أحمد الريسوني: لا هم ينظرون، طبعا الكبيرة أو الصغيرة هذا صحيح، ثانيا هل يجاهر بها فيكون بمثابة قدوة ويشجع الناس أو لا يجاهر بها، ثالثا هل هو مصر عليها واتخذها منهجا ومسارا أم هي على سبيل الفلتات، هذا نقاش معناه أنهم قالوا وجمهور الفقهاء أن الفسق إذا كان فلتات، وإذا كان من نوادر الأمور هذا لا يؤدي إلى العزل، في البداية يؤدي إلى منع البيعة، إذا كان يرتكب ما يعتبر فسقا هذا لا يجوز عقد البيعة له، لكن إذا بويع بكيفية شرعية ووقعت منه بعض هذه الهانات، قالوا لا هذا من واقعيتهم، بمعنى أن الخليفة ليس معصوما وليس نبيا وليس ملكا يخطأ كما أننا جميع نرتكب بعض المعاصي والهانات هنا وهناك، الخليفة بشر من حقه لا يؤدي مباشرة إلى محاكمته أو عزله إلا إذا اعتدى على الناس لكنهم قالوا إذا تواصل منه الفسق والعصيان والعدوان هذا لا بد أن يعزل.
عثمان عثمان: وأين مصير الحديث الذي ينهى عن الخروج على الحاكم ((ما أقاموا فيكم الصلاة)).
أحمد الريسوني: يعني قضية الأحاديث يجب أن تستحضر الأحاديث كلها قال: ((ما أقاموا فيكم الصلاة)) قال: (( ما عملوا فيكم بكتاب الله)) قال: ((ما أطاعوا الله)) فهذه النصوص كلها يجب أن تستحضر، ثم ننظر إلى هذا الحاكم أيضا وضرره على الناس وظلمه للناس كل هذه الأمور فلذلك هناك أحاديث كما قلنا تأمر بالصبر والتجاوز والعفو عن بعض أخطاء الحاكم لأنه على كل حال بشر لم نبايعه على أنه ملك أو نبي أو معصوم فلذلك تغتفر أمور وأمور لا تغتفر، إذا خرج خروجا واضحا ومضطربا ومصرا عليه، فهنا نأتيهم أيضا بأحاديث لا طاعة لا طاعة لا طاعة.
عثمان عثمان: إذن مصير هذه الأحاديث أين أصبح اليوم؟.
أحمد الريسوني: تحتاج إلى فقه جديد.
عثمان عثمان: تحتاج فقه جديد؟.
أحمد الريسوني: الأحاديث في مكانها وفي مقامها وكما نقول على رؤوسنا كلها بدون استثناء إذا صحت لكن يجب وضع كل حديث في موضعه ولا يجوز أن نبرز مجموعة من الأحاديث ونغفل الأخرى بل نبرزها جميعا ونضع أطيعوا في مكانها واصبروا في مكانها والعفو في مكانه ونضع أحاديث لا طاعة في مكانها، الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرت في حديث ابن مسعود قال: ((وتسألني يا ابن أم عبد لا طاعة لمن عصى الله عز وجل)) وتسألني هذا من البديهيات والرسول أرسل مرة سارية عليها شخص فارتكب شخص تجاوزات وقتل وحدا من الصف الآخر، قتله بعد أن قال له إنا مسلم قتله، الرسول لما رجع لامهم لوما شديدا وقال: ((أعجزتم بعد أن بعثت أو أمرت عليكم رجلا فلم ينفذ أمري أعجزتم أن تغيروه بواحد ينفذ أمري)) الرسول يأمر بالتغيير فورا هذه أمور بديهيات، أتسألني هناك أمور بديهيات، حتى السؤال يكون عنها مستنكرا يجب تغير من انحرف يجب تغيير من تجاوز الشرع فهذا هو الشرع.
عثمان عثمان: اسمح لي دكتور أن انقل لك رأيي لبعض المالكية وهو رأي ربما مستغرب يقول أنهم أجاوزا للإمام قتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين ما قيمة مثل هذا الرأي ما وزنه في الشرع؟
أحمد الريسوني: هذا الرأي مستغرب ولكنه أيضا مستنكر، وأول من يستنكره هم المالكية عن بكرة أبيهم، لا يوجد فقيه مالكي واحد حكا هذا القول ولا يوجد فقيه مالكي واحد أقر هذا القول بل تصدى منه المالكية منذ قرون خاصة منذ القرن الخامس لأنه هذا القول تردد في القرن الخامس ونسب فعلا للإمام مالك وللأسف موجود في كتب بعض العلماء الأكابر الذين قالوا وذهب مالك وكذا وكذا بل من المالكية من ألفوا كتبا ليردوا على هذا القول وينفوه نفيا تاما عن الإمام مالك ويبرأ ساحتهم بل حتى قرأت لواحد منهم يقول قولة حجاجية لا قولة مالكية قولة حجاجية يعني نسبة إلى الحجاج في مثل هذه القولة يقولها الحجاج، يشير أنه اختلق احد الحكام وروجها منسوبة للإمام مالك والمذهب المالكي هي لا أصل لها في المذهب.
عثمان عثمان: السيد مجدي من تونس يسأل عن، سألخص يعني يكتب كلاما كثيرا، عن حكم طاعة الحكومات الجديدة، الحكومات الإسلامية التي جاءت تحت مسمى الديمقراطية التي يعتبرها البعض مشبوهة كما يقول؟.
أحمد الريسوني: لا قضية مشبوهة هذا أيضا كلام مشبوه..
عثمان عثمان: نحن نسأل عن الطاعة، طاعة هذه الحكومات..
أحمد الريسوني: لا بالعكس الحكومات إذا جاءت برضا الشعب أو برضا قواه المختلفة السياسية والدينية ورضا الغالبية ورضا الناس جميعا هذا طلب لا يدرك فإذا كان هناك رضا عام وقبول عام وتوكيل من هؤلاء تجب طاعتهم بل بالعكس الطاعة في مثل هذه الظروف التي يشير إليها السائل هي التي تأخذ قداستها ومكانتها بصورة أكثر توكيدا وأكثر وجوبا لأنه حينما تكون البلد فيه تفكك أو فيه نوع من الفوضى هنا نحتاج إلى الطاعة أكثر، فإذن كل حكومة جاءت برضا من الناس وجاءت بطريقة مشروعة وعبرت قوى المجتمع بعلمائه ومفكريه عن رضاهم، فهذه هي الحكومة التي تجب طاعتها وهذا هو الرئيس الذي تجب طاعته بدون شك فنحن لسنا ضد الطاعة، لا، حتى يكون الأمر واضحا الطاعة في محلها من ضرورات الحضارة البشرية، ومن ضرورات الشرع ومن ضرورات الحياة الاجتماعية لابد من الطاعة لا مؤسسة بدون طاعة لا جيش من دون طاعة لا دولة بدون طاعة لا شركة بدون طاعة لا منظمة بدون طاعة فإذن لكن توضع الطاعة بالمعروف في محلها وعند من يستحقها.
عثمان عثمان: بعد كل هذه المتغيرات في تفصيل الإمام والسلطان والسياسة والخليفة هل يمكن الحديث عن التغيير في بنية الفقه الإسلامي والحديث يعني إعادة تعريف الحاكم، السلطة، العلاقة به والسياسة.
أحمد الريسوني: نعم نحتاج، هذا نوع من التجديد في الدين، والتجديد في الدين هو إعادة الأمور إلى نصابها وإلى أصولها وإلى براءتها و إلى صفائها وإلى فاعليتها فنحن فعلا عندنا قرون من الصياغات ومن الكتب ومن المؤلفات ومن النظريات التي تصور الاستبداد وتنظر له وتقره، لكن مع ذلك إذا رجعنا حقيقة إلى الأصول وإلى الكتاب والسنة وإلى عمل الصحابة إلى الأئمة والفقهاء الكبار سنجد أن كل هذا الاستبداد لا مكان له عندهم وحتى لو فرضنا إن طال شيء على احد فليس احد بمعصوم وكل واحد يؤخذ من كلامه ويرد فإذن الفقه السياسي هو أكثر ربما ما يحتاج إلى تجديد وإعادة صياغة أولا في ضوء الأصول الإسلامية الصحيحة وفي ضوء الفهم الصحيح للنصوص وتنزيل كل منها في مكانه، وثانيا في ضوء التطورات التي عرفتها المجتمعات والتطورات التي عرفتها النظم السياسية والنظم الإدارية والنظم الانتخابية كل هذه الأمور يجب أن تكون أساسا لصياغة فقه سياسي وفقه جديد في السياسة الشرعية، هذا لا مفر منه.
عثمان عثمان: سيد فرج الكندي، يقول ما علاقة مفهوم فقه الطاعة بمفهوم مقاصد الشريعة؟.
أحمد الريسوني: فقه الطاعة أو الطاعة هذه من الوسائل التي تأخذ حكم المقاصد فحكمها حكم ما قصد بها هذا هو إذا أردنا أن نرتبها في مكان ما من المقاصد هناك مبحث الوسائل، والوسائل تتبع المقاصد فإذن الوسائل الطاعة والتنظيم وصيغ جديدة لهذه الطاعة وصيغ رشيدة لهذه الطاعة، هذه كلها بدون شك تخدم مقاصد الشارع وتحقق مقاصده الدينية والدنيوية فحكمها حكم الوسيلة إذا استعملت هذه الطاعة أيضا وسيلة للتسلط أو الاستبداد فحكمها حكم ما أفضت إليه فتكون باطلة بطلان الغرض والمقصد الذي استعملت له.
عثمان عثمان: ماذا تقولون دكتور فيمن يصر على التمسك بالتصورات الفقهية القديمة التي تقول بالطاعة لولي الأمر تقول بالإمامة والفتنة ويخاصمون بالمقابل من يقومون بمظاهرات في مواجهة الحكام الظلمة الذين يحكمون الناس أيضا ربما باسم الدين هذه التغطية التي يؤمنها لهم بعض علماء الاستبداد والسلطة.
أحمد الريسوني: وبدون شك هذا موجود، هذا الواقع موجود، ولكن آخذ في التزحزح يوما بعد يوم سواء على ارض الواقع بوعي الشعوب وحيويتها ونيلها لحريتها بشكل متزايد أو بفضل الفقه الجديد أو الصياغة الجديدة للفقه، إنا لا أدعو لفقه جديد لكن لصياغة جديدة للفقه هذه كلها أظن ستجعل مثل هذه الآراء تختفي في بضع سنوات وتبقى بلا نصير ولا من يقول بهذا، نوع من التخلف تخلف عن الإسلام، تخلف عن العصر تخلف عن حيوية المجتمعات، وهذا التخلف لابد انه سائر إلى الخلف وسيصبح من جملة التاريخ الذي سيمضي لا اقل ولا أكثر.
عثمان عثمان: هناك من يدعو إلى ضرورة الإصلاح الديني ويعتبر أن الإصلاح الديني هو اقرب وأسهل وأقوى طريق للوصول للإصلاح السياسي، أولا يعني ما رأيكم بمن يقول هذا الكلام بهذه المقولة وكيف يتم الإصلاح الديني هنا؟.
أحمد الريسوني: الذي لا شك فيه اليوم خاصة في الفترة التي نعيشها ونتحدث عنها أن الإسلام متجذر في هذه المجتمعات في ثقافتها وسلوكها وفي حياتها الاجتماعية وحياتها السياسية وانه المحرك والفاعل الرئيسي ولذلك نحن نعيد هنا قولة المشهورة للإمام مالك ((ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)) نحن الآن في الخمسين أو في الستين سنة الأخيرة عرفنا حركات باسم الليبرالية وباسم الاشتراكية وباسم القومية وباسم الثورية وباسم الجماهيرية، وكلنا نعرف حصيلتها الآن ونشاهد ذلك ونراه رأي العين فلكن حينما يتحرك الناس من المساجد، وحينما يتحركون باسم دينهم، وعقيدتهم نرى الفاعلية، ونرى الحيوية وهذا هو ما يتأكد اليوم فإذن حتى لو فرضنا أن في البلاد الإسلامية مسيحيا أو علمانيا أو كذا، الآن لا مفر أمامه إذا أراد أن يكون واقعيا أن يقول: الإسلام سبيل الإصلاح، الإسلام، فإذن الإصلاح الديني فعلا هو يتضمن ليس فقط بل هو يتضمن تلقائيا الإصلاح السياسي الطريق اقصر والأضمن للإصلاح السياسي هو الإصلاح الديني فكرا وممارسة.
عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكركم فضيلة الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلام الدولي على حضوركم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب، والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في آمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.newsMap
{
margin-right:-6px;
width:424px;
}
.newsMapIE
{
margin-right:-6px;
width:426px;
}
.channelMap
{
width:396px;
}
.channelMapIE
{
margin-right:1px;
width:394px;
}
.encyclopediaMap
{
margin-right:-9px;
width:539px;
}
.encyclopediaMapIE
{
margin-right:-9px;
width:540px;
}
.knowledgegateMap
{
margin-right:-5px;
width:410px;
}
.knowledgegateMapIE
{
margin-right:-4px;
width:407px;
}
.ebusinessMap
{
margin-right:-5px;
width:400px;
}
.ebusinessMapIE
{
margin-right:-4px;
width:396px;
}
.economicCoverageMap
{
margin-right:3px;
width:736px;
}
.economicCoverageMapIE
{
margin-right:-2px;
width:736px;
}
المصدر:
الجزيرة
//-->
شارك
-->
شارك
الجزيرة.نت
Mixx
Digg
Delicious
Reddit
MySpace
StumbleUpon
تعريف بالخدمة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment