Tuesday, November 20, 2012

Justice is the main pillar of governing and peace follow justice.

حق الأمة فى مراقبة الحاكم ومحاسبته.. دراسة للشيخ عبدالمجيد الشاذلى



الإثنين, 05 نوفمبر 2012 - 02:02 pm | عدد الزيارات: 332 طباعة


الشيخ عبدالمجيد الشاذلى رئيس دعوة أهل السنة والجماعة
الشيخ عبدالمجيد الشاذلى رئيس دعوة أهل السنة والجماعة


قال أبو بكر رضى الله عنه: فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى.
فهذا الصديق يقر بحق الأمة وأفرادها فى الرقابة على أعماله ومحاسبته عليها، بل وفى مقاومته لمنع كل منكر يرتكبه وإلزامه بما يعتبرونه الطريق الصحيح والسلوك الشرعى، وقد أقر الصديق فى بداية خطابه للأمة أن كل حاكم معرض للخطأ والمحاسبة، وأن لا يستمد سلطته من أى امتياز شخصى يجعل له أفضلية على غيره، لأن عهد الرسالات والرسل المعصومين قد انتهى، وأن آخر رسول كان يتلقى الوحى انتقل إلى جوار ربه، وقد كانت له سلطة دينية مستمدة من عصمته كنبى ومن صفته كرسول يتلقى التوجيه من السماء، ولكن هذه العصمة قد انتهت بوفاته صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم أصبح الحكم والسلطة مستمدين من عقد البيعة وتفويض الأمة له.
إن الأمة فى فقه أبى بكر لها إرادة حية واعية لها القدرة على المناصرة والمناصحة والمتابعة والتقويم، فالواجب على الرعية نصرة الإمام الحاكم بما أنزل الله ومعاضدته ومناصرته فى أمور الدين والجهاد، ومن نصرة الإمام ألا يهان، ومن معاضدته أن يحترم، وأن يكرم، فقوامته على الأمة وقيادته لها لإعلاء كلمة الله تستوجب إجلاله وإكرامه وتبجيله، إجلالًا وإكرامًا لشرع الله الذى ينافح عنه ويدافع عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذى الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير المغالى فيه والجافى عنه، وإكرام ذى السلطان المقسط".
والأمة واجب عليها أن تناصح ولاة أمرها؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، ثلاثًا، قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: لله عز وجل، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، ولقد استقر فى مفهوم الصحابة أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن باستقامة ولاتها، ولذلك كان من واجبات الرعية تجاه حكامهم نصحهم وتقويمهم، ولقد أخذت الدولة الحديثة تلك السياسة الرائدة للصديق – رضى الله عنه – وترجمت ذلك إلى لجان متخصصة ومجالس شورية، تمد الحاكم بالخطط، وتزوده بالمعلومات، وتشير عليه بما يحسن أن يقرره
.
والشىء المحزن أن كثيرًا من الدول الإسلامية تعرض عن هذا النظام الحكيم، فمعظم مصيبتها فى تسلط الحكام وجبروتهم، والتخلف الذى يعم معظم ديار المسلمين ما هو إلا نتيجة لتسلط بغيض، "و دكتاتورية" لعينة، أماتت فى الأمة روح التناصح والشجاعة، وبذرت فيها، وزرعت بها الجبن والفزع إلا من رحم ربى، وأما الأمة التى تقوم بدورها فى مراقبة الحاكم ومناصحته تأخذ بأسباب القوة والتمكين فى الأرض، فتنطلق إلى آفاق الدنيا تُبلِّغ دعوة الله.
إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس:
قال أبو بكر رضى الله عنه: الضعيف فيكم قوى عندى حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
إن من أهداف الحكم الإسلامى الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامى التى تساهم فى إقامة المجتمع المسلم ومن أهم هذه القواعد، الشورى والعدل، والمساواة والحريات؛ ففى خطاب الصديق للأمة أقر هذه المبادئ، فالشورى تظهر فى طريقة اختياره وبيعته وفى خطبته فى المسجد الجامع بمحضر من جمهور المسلمين، وأما عدالته فتظهر فى نص خطابه، ولا شك أن العدل فى فكر أبى بكر هو عدل الإسلام الذى هو الدعامة الرئيسة فى إقامة المجتمع الإسلامى والحكم الإسلامى، فلا وجود للإسلام فى مجتمع يسوده الظلم ولا يعرف العدل.
إن إقامة العدل بين الناس أفرادًا وجماعات ودولًا، ليست من الأمور التطوعية التى تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس فى الدين الإسلامى تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد أجمعت الأمة على وجوب العدل قال الفخر الرازى - رحمه الله – أجمعوا على أن من كان حاكمًا وجب عليه أن يحكم بالعدل.
و هذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية. إن من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامى الذى تسود فيه قيم العدل والمساواة ورفع الظلم ومحاربته، بكل أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه وأن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها دون أن يكلفه جهدًا أو مالًا، وعليها أن تمنع أى وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم أو أحوالهم الاجتماعية فهو يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق، ولا يهمه أن يكون المحكوم لهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء عمالًا أو أصحاب عمل، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون" ( المائدة : 8).
لقد كان الصديق- رضى الله عنه – قدوة فى عدله يأسر القلوب ويبهر الألباب، فالعدل فى نظره دعوة عملية للإسلام تفتح قلوب الناس للإيمان، لقد عدل بين الناس فى العطاء، وطلب منهم أن يكونوا عونًا له فى هذا العدل، وعرض القصاص من نفسه فى واقعة تدل على العدل والخوف من الله سبحانه وتعالى، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قام يوم جمعة فقال: إذا كنا بالغداة فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن، فقالت امرأة لزوجها خذ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملًا، فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر رضى الله عنهما قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا الرجل فأعطاه الخطام وقال: استقد، فقال عمر: والله لا يستقد ولا تجعلها سنة، قال أبو بكر فمن لى من الله يوم القيامة؟ قال عمر: أرضه، فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحله ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها.
وأما مبدأ المساواة الذى أقره الصديق فى بيانه الذى ألقاه على الأمة، فيعيد أحد المبادئ العامة التى أقرها الإسلام وهى من المبادئ التى تساهم فى بناء المجتمع المسلم وسبق به تشريعات وقوانين العصر الحاضر، ومما ورد فى القرآن الكريم تأكيدًا لمبدأ المساواة قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"( الحجرات: 13).
إن الناس جميعًا فى نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس واللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومين كلهم فى نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الصديق لهذا المبدأ خير شاهد على ذلك؛ إذ يقول: وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى، القوى فيكم ضعيف عندى حتى أخد الحق منه، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أخد له حقه.
وكان رضى الله عنه ينفق من بيت مال المسلمين فيعطى كل ما فيه سواسية بين الناس، فقد روى ابن سعد وغيره أن أبا بكر رضى الله عنه، كان له بيت مال بالسنح معروف، ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه، قيل له: ولم؟ قال: عليه قفل! وكان يعطى ما فيه حتى لا يبقى فيه شيئًا، فلما تحول إلى المدينة حوله معه فجعله فى الدار التى كان فيها، وقدم عليه مال من معدن من معادن جهينة، فكان كثيرًا، وانفتح معدن بنى سليم فى خلافته، فقدم عليه منه بصدقة فكان يضع ذلك فى بيت المال، فيقسمه بين الناس سويًّا، بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير على السواء.
قالت عائشة رضى الله عنها: فأعطى أول عام الحر عشرة والمملوك عشرة، وأعطى المرأة عشرة، وأمتها عشرة، ثم قسم فى العام الثانى، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك قسمت هذا المال فسويت بين الناس، ومن أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فضلت أهل السوابق والقدم والفضل. فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفنى بذلك، وإنما ذلك شىء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة.
فقد كان توزيع العطاء فى خلافته على التسوية بين الناس، وقد ناظر الفاروق عمر رضى الله عنه أبا بكر فى ذلك فقال: أتسوى بين من هاجر الهجريتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ للراكب.
ورغم أن عمر رضى الله عنه غير فى طريقة التوزيع فجعل التفضيل بالسابقة إلى الإسلام والجهاد، إلا أنه فى نهاية خلافته قال: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لرجعت إلى طريقة أبى بكر فسويت بين الناس.
وكان يشترى الإبل والخيل والسلاح، فيحمل فى سبيل الله واشترى عامًا قطائف-القطيفة كساء مخمل- أتى بها من البادية ففرقها فى أرامل أهل المدينة فى الشتاء، وقد بلغ المال الذى ورد على أبى بكر فى خلافته مائتى ألف عام وزعت فى أبواب الخير.
لقد اتبع أبو بكر –رضى الله عنه- المنهج الربانى فى إقرار العدل وتحقيق المساواة بين الناس، وراعى حقوق الضعفاء، فرأى أن يضع نفسه فى كفة هؤلاء الواهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهف وبصر حاد وإرادة واعية لاتستذلها عوامل القوة الأرضية، فتملى كلمتها أنه الإسلام فى فقه رجل الدولة النابه، الذى قام يضع القهر تحت أقدام قومه ويرفع بالعدل رءوسهم فيؤمن به كيان دولته ويحفظ لها دورها فى حراسة الملة والأمة.
لقد قام الصديق-رصى الله عنه– منذ أول لحظة بتطبيق هذه المبادئ السامية فقد كان يدرك أن العدل عز الحكم والمحكوم، ولهذا وضع الصديق سياسته تلك موضع التنفيذ، وهو يردد قوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " (النحل: 90).
كان أبو بكر يريد أن يطمئن المسلمون إلى دينهم وحرية الدعوة إليه وإنما تتم الطمأنينة للمسلمين ما قام الحاكم فيهم على أساس من العدل المجرد عن الهوى والحكم على هذا الأساس يقتضى من الحاكم أن يسمو فوق كل اعتبار شخصى، وأن يكون العدل والرحمة مجتمعين. وقد كانت نظرية أبى بكر فى تولى أمور الدولة قائمة على إنكار الذات والتجرد لله تجردًا مطلقًا جعله يشعر بضعف الضعيف وحاجة المجتمع ويسمو بعدله على كل هوى وينسى فى سبيل ذلك نفسه وأبناءه وأهله، ثم يتتبع أمور الدولة جليلها ورقيقها بكل ما أتاه الله من يقظة وحذر.
وبناء على ما سبق يرفع العدل لواءه بين الناس؛ فالضعيف آمن على حقه وكله يقين أن ضعفه يزول حينما يحكم العدل، فهو به قوى لا يمنع حقه ولا يضيع، والقوى حين يظلم يردعه الحق وينتصف منه للمظلوم، فلا يحتمى بجاه ولا سلطان أو قرابة لذى سطوة أو مكانة، وذلك هو العز الشامخ والتمكين الكامل فى الأرض.
وما أجمل ما قال ابن تيمية "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، بالعدل تستصلح الرجال، وتستغزر الأموال".
الشيخ عبدالمجيد الشاذلى رئيس دعوة أهل السنة والجماعة


No comments: