الشــــعب يريـــد فهـــم الأمريكان!
تبدو مواقف معظم دول العالم واضحة مما يجري في مصر, سواء مدحا أو ذما أو تحفظا,
لكن تبقي الولايات المتحدة الأكثر ارتباكا وغموضا وتذبذبا ومناورة. وما ظهر علي السطح من تحركات وتصريحات وتلميحات سياسية, يخفي حيرة في التأييد أو الرفض, ويكشف عن مأزق بين واشنطن والقاهرة قد يكون عميقا في المستقبل.
ففي الوقت الذي بدأت الولايات المتحدة تتعامل فيه مع الواقع وتعترف ضمنا بأن ما حدث ثورة شعبية, عاد الحديث عن التشكيك في مصير المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. ويمكن سرد قائمة طويلة من التصورات والمماحكات, التي تثير علامات استفهام متعددة, وتعطي إشارات برسائل متناقضة. فمثلا, عندما تتم المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي والتشديد علي المصالحة مع الإخوان, نجد هناك تأكيدا لأهمية التفاهم مع المؤسسة العسكرية, وأن مصر دولة مهمة بالنسبة للمصالح الأمريكية. وعندما تأتي كاترين آشتون الممثل الأعلي للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي, وتجري حوارات مكوكية مع عدد من المسئولين ورموز من القوي السياسية والشبابية, يتواري وزير الخارجية الأمريكي, وتبدو إدارته وكأنها تريد عدم مواجهة الواقع بصورة مباشرة. ربما يكون ذلك مفهوما في إطار الرفض والنقمة التي تصب علي واشنطن من جهات مختلفة, بسبب رهانها علي استمرار الإخوان, لكن غير مفهوم لكثيرين حرصها علي الازدواجية, فهي قبلت علي مضض بالدوافع الشعبية لما حدث, وتبعث بتطمينات خفية مؤيدة لتصرفات الجماعة, ولا تتواني عن توظيف قدراتها الإعلامية ومهاراتها السياسية وآلعابها البهلوانية للضغط علي القيادة المصرية.
الواقع أن إزاحة الإخوان بعيدا عن السلطة بفعل ثورة شعبية مجيدة, تسبب في خلط أوراق كثيرة, كانت واشنطن قامت بإعدادها وترتيبها, ورسمت جانبا من سياساتها في المنطقة علي أساسها. فخطة التسوية السياسية المعروضة حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين كانت ترمي إلي تحقيق إنجاز يحسب للرئيس باراك أوباما قبل نهاية ولايته الثانية, وانطلقت أصلا من رحم وجود الإخوان في السلطة, واستعدادهم لتقديم التسهيلات الجغرافية اللازمة لإتمام الخطة الخاصة بالسلام في منطقة الشرق الأوسط. بالتالي ما جري في الشارع أفسد الطبخة وعطل كل المخططات التي راهنت علي إغلاق ملف القضية الفلسطينية علي كتف المصالح المصرية في هذا التوقيت الحرج.
من السهولة أن نضع أيدينا علي قائمة من المبررات التي تفسر التوجه المتناقض, لكن سيظل الحرص علي إرباك المشهد المصري سببا رئيسيا في الحسابات الأمريكية. أولا, لأن واشنطن تسعي إلي وضع القيادة السياسية تحت ضغوط دائمة, تمنعها من اللجوء إلي خيارات تعزز فكرة استقلال القرار الوطني. مرة بذريعة الانشغال بتحقيق المصالحة الشاملة المستحيلة. ومرة بحجة الاستعجال في تنفيذ خطوات التحول الديمقراطي. وثانيا, لفرملة الدور الوطني الذي تقوم به المؤسسة العسكرية, التي تملك رؤية ثاقبة لوضع مصر علي خريطة الدول الرائدة في المنطقة. لذلك تسعي واشنطن الي استنزاف قدرات الجيش في مواجهات مرهقة مع معتصمي رابعة العدوية والنهضة. وهو ما يكشف أحد أسباب الإصرار علي استمرار الاعتصامين, والسعي بكل الوسائل غير الأخلاقية لاستفزاز الجيش وجره إلي فضهما بالقوة.
وإذا كان التغيير الذي حدث في مصر أصاب الأمريكان بالدوار والصدمة, فإنه لم يضربهم في مقتل, لأن تقديرات واشنطن المتحركة تستطيع أن تتعامل مع المستجدات, ومن المؤكد أن سيناريو سقوط الإخوان لم يكن غائبا تماما عن أذهان الأمريكيين. وهو في كل الأحوال سوف يتم الاستفادة منه في كسر شوكة التيار الإسلامي لفترة طويلة. كما أن واشنطن بإمكانها تشجيع بناء نموذج ديمقراطي- ليبرالي بأقل تكاليف مادية ممكنة. فقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا غاليا في العراق ولم تستطع وضع اللبنات الأولي لدولة ديمقراطية علي الطريقة الغربية. وربما تكون الفرصة سانحة في مصر للوصول إلي نواة لهذا الهدف المحوري, الذي يسهم تحقيقه في ضرب مجموعة من العصافير السياسية بحجر واحد. فهو يقدم الدولة النموذج( مصر) في المنطقة, التي تستطيع صد التيارات الراديكالية. ويؤدي إلي توثيق التحالف مع مصر الواعدة.
المطلوب من الجهات المسئولة في مؤسستي الرئاسة والجيش, مصارحة المواطنين بحقيقة ما يدور في الكواليس مع الأمريكان, وفحوي الاتصالات التي تتم مع القيادة المصرية, ومدي ونوع المساومات, سواء بالنسبة للمساعدات العسكرية أو التعقيدات السياسية, ودواعي الحرص علي المناورة بورقة الإخوان. فالشعب يريد أن يفهم ما يحاك ضده من مؤامرات. ويريد أن يعرف حجم وطبيعة وشكل الضغوط الخارجية. بكلام آخر, نريد من المسئولين عندنا حديثا من القلب, شفافا يضع النقاط أعلي وأسفل الحروف, ومصارحة تبين المسموح والممنوع, وما هو المطلوب بالضبط؟ وما هي حدود التنازلات؟ فما يجري من تطورات سوف يرسم خريطة مصر في المستقبل. بالتالي من المهم وضع المعلومات أمام الشعب, ليبقي واقفا خلف قيادته العسكرية.
لمزيد من مقالات محمد ابوالفضل
لكن تبقي الولايات المتحدة الأكثر ارتباكا وغموضا وتذبذبا ومناورة. وما ظهر علي السطح من تحركات وتصريحات وتلميحات سياسية, يخفي حيرة في التأييد أو الرفض, ويكشف عن مأزق بين واشنطن والقاهرة قد يكون عميقا في المستقبل.
ففي الوقت الذي بدأت الولايات المتحدة تتعامل فيه مع الواقع وتعترف ضمنا بأن ما حدث ثورة شعبية, عاد الحديث عن التشكيك في مصير المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. ويمكن سرد قائمة طويلة من التصورات والمماحكات, التي تثير علامات استفهام متعددة, وتعطي إشارات برسائل متناقضة. فمثلا, عندما تتم المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي والتشديد علي المصالحة مع الإخوان, نجد هناك تأكيدا لأهمية التفاهم مع المؤسسة العسكرية, وأن مصر دولة مهمة بالنسبة للمصالح الأمريكية. وعندما تأتي كاترين آشتون الممثل الأعلي للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي, وتجري حوارات مكوكية مع عدد من المسئولين ورموز من القوي السياسية والشبابية, يتواري وزير الخارجية الأمريكي, وتبدو إدارته وكأنها تريد عدم مواجهة الواقع بصورة مباشرة. ربما يكون ذلك مفهوما في إطار الرفض والنقمة التي تصب علي واشنطن من جهات مختلفة, بسبب رهانها علي استمرار الإخوان, لكن غير مفهوم لكثيرين حرصها علي الازدواجية, فهي قبلت علي مضض بالدوافع الشعبية لما حدث, وتبعث بتطمينات خفية مؤيدة لتصرفات الجماعة, ولا تتواني عن توظيف قدراتها الإعلامية ومهاراتها السياسية وآلعابها البهلوانية للضغط علي القيادة المصرية.
الواقع أن إزاحة الإخوان بعيدا عن السلطة بفعل ثورة شعبية مجيدة, تسبب في خلط أوراق كثيرة, كانت واشنطن قامت بإعدادها وترتيبها, ورسمت جانبا من سياساتها في المنطقة علي أساسها. فخطة التسوية السياسية المعروضة حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين كانت ترمي إلي تحقيق إنجاز يحسب للرئيس باراك أوباما قبل نهاية ولايته الثانية, وانطلقت أصلا من رحم وجود الإخوان في السلطة, واستعدادهم لتقديم التسهيلات الجغرافية اللازمة لإتمام الخطة الخاصة بالسلام في منطقة الشرق الأوسط. بالتالي ما جري في الشارع أفسد الطبخة وعطل كل المخططات التي راهنت علي إغلاق ملف القضية الفلسطينية علي كتف المصالح المصرية في هذا التوقيت الحرج.
من السهولة أن نضع أيدينا علي قائمة من المبررات التي تفسر التوجه المتناقض, لكن سيظل الحرص علي إرباك المشهد المصري سببا رئيسيا في الحسابات الأمريكية. أولا, لأن واشنطن تسعي إلي وضع القيادة السياسية تحت ضغوط دائمة, تمنعها من اللجوء إلي خيارات تعزز فكرة استقلال القرار الوطني. مرة بذريعة الانشغال بتحقيق المصالحة الشاملة المستحيلة. ومرة بحجة الاستعجال في تنفيذ خطوات التحول الديمقراطي. وثانيا, لفرملة الدور الوطني الذي تقوم به المؤسسة العسكرية, التي تملك رؤية ثاقبة لوضع مصر علي خريطة الدول الرائدة في المنطقة. لذلك تسعي واشنطن الي استنزاف قدرات الجيش في مواجهات مرهقة مع معتصمي رابعة العدوية والنهضة. وهو ما يكشف أحد أسباب الإصرار علي استمرار الاعتصامين, والسعي بكل الوسائل غير الأخلاقية لاستفزاز الجيش وجره إلي فضهما بالقوة.
وإذا كان التغيير الذي حدث في مصر أصاب الأمريكان بالدوار والصدمة, فإنه لم يضربهم في مقتل, لأن تقديرات واشنطن المتحركة تستطيع أن تتعامل مع المستجدات, ومن المؤكد أن سيناريو سقوط الإخوان لم يكن غائبا تماما عن أذهان الأمريكيين. وهو في كل الأحوال سوف يتم الاستفادة منه في كسر شوكة التيار الإسلامي لفترة طويلة. كما أن واشنطن بإمكانها تشجيع بناء نموذج ديمقراطي- ليبرالي بأقل تكاليف مادية ممكنة. فقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا غاليا في العراق ولم تستطع وضع اللبنات الأولي لدولة ديمقراطية علي الطريقة الغربية. وربما تكون الفرصة سانحة في مصر للوصول إلي نواة لهذا الهدف المحوري, الذي يسهم تحقيقه في ضرب مجموعة من العصافير السياسية بحجر واحد. فهو يقدم الدولة النموذج( مصر) في المنطقة, التي تستطيع صد التيارات الراديكالية. ويؤدي إلي توثيق التحالف مع مصر الواعدة.
المطلوب من الجهات المسئولة في مؤسستي الرئاسة والجيش, مصارحة المواطنين بحقيقة ما يدور في الكواليس مع الأمريكان, وفحوي الاتصالات التي تتم مع القيادة المصرية, ومدي ونوع المساومات, سواء بالنسبة للمساعدات العسكرية أو التعقيدات السياسية, ودواعي الحرص علي المناورة بورقة الإخوان. فالشعب يريد أن يفهم ما يحاك ضده من مؤامرات. ويريد أن يعرف حجم وطبيعة وشكل الضغوط الخارجية. بكلام آخر, نريد من المسئولين عندنا حديثا من القلب, شفافا يضع النقاط أعلي وأسفل الحروف, ومصارحة تبين المسموح والممنوع, وما هو المطلوب بالضبط؟ وما هي حدود التنازلات؟ فما يجري من تطورات سوف يرسم خريطة مصر في المستقبل. بالتالي من المهم وضع المعلومات أمام الشعب, ليبقي واقفا خلف قيادته العسكرية.
لمزيد من مقالات محمد ابوالفضل
رابط
No comments:
Post a Comment