بنو إسرائيل في القرآن الكريم
نبغي لنا أن نقف على حقيقة أو مَضمونٍ مِن مَضامين هذا الصِّراع بين الحقِّ والباطل، ونقف مع آيات القرآن الكريم، والتي تَلفِت النَّظَر إلى العديد مِن الآيات التي تتحدَّث عن اليهود أو "بني إسرائيل"، فالقرآن الكريم تناول "بني إسرائيل" في آيات كثيرة، حتى قيل: إن أحدًا لم يُذكَر في كتاب الله لا مِن الأنبياء ولا مِن المُرسَلين ولا من الملائكة المقرَّبين، كما ذُكر موسى - عليه السلام - في كتاب الله، فقد ذُكر نحو مائة وثلاثين مرةً، كما أن قصة بني إسرائيل تكرَّرت في القرآن الكريم كما لم تتكرَّر قصة أخرى عن الأمم الأولى، عن الأقوام الذين تلقَّوا الوحْي واستمَعوا إليه، إما استماع طاعة أو استِماع مَعصِيَة، لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرارِ سببٌ، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناوُل المُستمِر مِن حِكمَة قصَد إليها الشارعُ الحكيم.
مَن هو إسرائيل؟ ومَن هم بنو إسرائيل؟ ولماذا خاطَبهم الله بهذا الاسم؟
يقول ابن كثير في تفسيره: إن إسرائيل هو نبي الله يعقوب، ويُناديهم الله بأبيهم كأنه يقول لهم: يا بني العبد الصالح المُطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا بن الكريم، افعل كذا، يا بن الشُّجاع، بارِز الأبطال، يا بنَ العالِم، اطلب العِلم ونحو ذلك، ومِن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، فإسرائيل هو يعقوب، والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس قال: حضرتْ عِصابة مِن اليهود نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: ((هل تعلمون أنَّ "إسرائيل" يعقوب؟))، قالوا: اللهم نعم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اشهد))، وقال ابن عباس: إن إسرائيل كقولك: "عبدالله"
ما هي العبرة مِن تكرار هذه القصة في القرآن؟
يجيب عن ذلك السؤالِ الشيخُ محمد الغزالي - رحمه الله - فيقول: لا بدَّ أن يكون لهذا التَّكرار سبب، ولا بدَّ أن يكون لهذا التناول المُستمِر مِن حِكمة قصَد إليها هذا الشارع الكريم، ولقد اجتهَدْنا في معرفة الحِكمَة وتَلمُّسِها مِن مظانها الكثيرة، فوجدنا أن القرآن تحدَّث عن بني إسرائيل في مراحلِ تاريخِهم؛ فمرة يَتناولهم بالمدح وإعلاء الشأن والتنويه بالمكانة، ففي سورة الدخان يقول ربُّ العِزَّة: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 30 - 32]، فقد كانوا ذات يومٍ الشَّعبَ المُختار، وأن اختيارَهم لم يكن عن مُجازَفة أو عن إيثار فيه محاباة، بل اخترناهم على عِلم، وفي سورة الجاثية يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الجاثية: 16، 17].
وفي آيات أخرى يذمُّهم المولى - تبارك وتعالى - فقال - جلَّ شأنه -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [
No comments:
Post a Comment