الهجمة الأمريكية الصهيونية تستهدف إجهاض أو احتواء الثورات العربية (سوريا نموذجا)
<< فى ليبيا الثورة يحذفون الأحاديث النبوية من كتاب التربية الإسلامية!
<< القوات الأمريكية والغربية بدأت الاحتشاد فى الأردن وإسرائيل للإنقضاض على سوريا
<<والبنتاجون يتحدث عن الاحتياج لـ 75 ألف جندى للسيطرة على الترسانة الكيماوية
<< تيرى ميسون يؤكد وجود قوات خاصة بريطانية وفرنسية على أرض سوريا
4 شركات أمريكية صهيونية تمول مجلس استانبول للمعارضة السورية
<< قاعدة الناتو بتركيا تدير العمليات المسلحة وتدرب وتسلح وتدرب الكتائب المعارضة
<< نائب نتنياهو: سقوط النظام السورى خطر ولكنه أفضل لإسرائيل لأنه سيضعف إيران وحزب الله
ليست الثورة السورية وحدها التى استهدفت من الحلف الصهيونى الأمريكى لإجهاضها واحتوائها، بل كل الثورات العربية بلا استثناء تعرضت وتتعرض لذات الخطر. فهذا ما حدث ويحدث فى مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين. الحلف الصهيونى الأمريكى يشن غارات على هذه الثورات ليس بالمعنى العسكرى المسلح كما يحدث فى اليمن وسوريا، بل فى مجال اختراق الأحزاب والقوى السياسية واختراق الحكومات الجديدة، واختراق الإعلام ومؤسسات التعليم والثقافة، وكل مكونات ومجالات المجتمع.
وهم لا يفعلون ذلك من الصفر بل يستثمرون ويحصدون كل ما زرعوه فى العقود الماضية من عملاء داخل النظم التى سقطت وداخل المنظمات والهيئات الشعبية. منذ يومين مثلا توقفت أمام خبر عجيب بثته وكالة الأنباء الليبية يقول: إن وزارة التربية والتعليم حذفت الأحاديث النبوية من كتاب التربية الإسلامية!! وأن مادة التربية الوطنية فى التعليم الأساسى تضمنت دعوة لحرية التنقل بين الأديان على أساس أن هذه هى الديمقراطية، مع الإشارة للديمقراطية اليونانية القديمة (ليبيا لا يوجد بها إلا مسلمون). سنسمع كثيرا من هذه الأنباء فى بلاد أصبحت تنسب فضل التحرر للناتو.
وسوريا تكتسب أهمية خاصة فهى فى بؤرة الأحداث، وهى فى أخطر موقع عربى بعد مصر فى مجال الصراع العربى الإسلامى - الصهيونى، وبها الآن أكثر المعارك دموية وتدميرا. لذلك سنواصل التركيز عليها واستكمال ما بدأناه من تحليل فى السابق..
توقفنا فى المرة السابقة عند المراحل الأولى للثورة السورية، ووعدنا بالتركيز مستقبلا على الصراع فى مستواه الإقليمى والعالمى. البعدان الإقليمى والدولى أساسيان فى أى عملية تغيير أو تحول كبرى. ولن تنجح عملية التغيير أو الثورة بدون وضعهما فى عين الاعتبار والتقدير. وهذا القانون يكون صارما أكثر فى منطقة مركزية كمنطقتنا فى بؤرة العالم (التى يسمونها الشرق الأوسط).
فى أبريل 2011 كان الشعب السورى أو قطاعات متزايدة منه بدأت تتلمس طريقها للتغيير وقالت لماذا نكون أقل من مصر وليبيا وتونس واليمن. وكان رد فعل النظام قاسيا مع المظاهرات السلمية. ومع ذلك كان الخيار المثالى هو الاستمرار فى العصيان المدنى والتشهير الإعلامى بجرائم القمع، ولو سارت الأمور على هذا المنوال لكانت خسائر الشعب أقل، ومكاسب الثورة الشعبية أكبر، ومأزق النظام أكبر. ولكن "لو" لا تفيد الآن. كيف بدأ التحول للعمل العسكرى؟ هذا أصبح سؤال يجاوب عليه المؤرخون، فالمهم الآن أننا أمام قرابة 30 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين ومئات الآلاف من المهجرين. ولكن لم تعد القضية فى حجم الخسائر البشرية وحدها فالشعوب مستعدة للتضحية من أجل حريتها. المشكلة الأكبر فى مستقبل سوريا القريب الذى قدمت كل هذه التضحيات من أجله. أخطر تطور حدث فى سوريا هو ترابط التحول إلى العمل العسكرى بتعزيز تحالف المعارضة السورية مع أمريكا وعملائها العرب. سوريا هى البلد الوحيد الذى تعرض لعاصفة الثورات العربية خارج الحزام الأمريكى. فمهما كان رأيك فى النظام السورى، فقد كان قبل اندلاع الثورات هو النظام العربى الذى لا يتلقى الأوامر من واشنطن، ويمكن أن نضيف إليه: السودان والعراق الذى خرج لتوه من الاحتلال الأمريكى دون أن ينجو بعد من كثير من مؤثراته، ويمكن أن نضيف لبنان بحكم التوازن بين قوى المقاومة وقوى الاستسلام والعمالة وهو التوازن المنعكس فى تركيبة السلطة التنفيذية، وإن كان فى هذه اللحظة لصالح قوى المقاومة والاستقلال. وحكومة غزة التى لا يعترف بها أحد فى العالم، ولكنها حكومة حقيقية على الأرض. كانت هكذا هى الخريطة فى بدايات 2011 عندما زمجرت الثورات العربية وأفصحت عن نفسها. وحتى فى هذه البقع غير الخاضعة للهيمنة الأمريكية شهدنا محاولات لتذمر ولثورات ولكنها لم تفلح إلا فى سوريا لأن المناخ كان مواتيا لها، ليس بسبب الجوع والفقر ولكن بسبب الاشتياق للحريات. كان النظام السورى يقدم الملاذ والممر للمقاومات العراقية والفلسطينية السنية (وأنا مضطر لهذا التحديد الطائفى لتوضيح أنه كان خيارا سياسيا) ولم تكن مسألة دعم المقاومة الفلسطينية بكل أنواعها واتجاهاتها سرا، أما دعم المقاومة العراقية السنية وتوفير ملاذ آمن لها وممر آمن لها فهى مسألة اشتكى منها الاحتلال الأمريكى علنا، وأنا شخصيا شاهد على ذلك فقد كنا نلتقى بكل تلاوين المقاومة العراقية السنية فى دمشق بمنتهى الحرية والعلنية، وكانوا هم يتحركون بكل حرية واطمئنان، ويعطوننا المواعيد فى أزحم المطاعم والمقاهى، وقلت لأحد قادتهم مرة: ألا يوجد خطر عليكم بهذا التحرك، فأكد لى عدم وجود أية مخاطر دون أن يدخل فى التفاصيل. وقبل سقوط نظام صدام حسين وقف النظام السورى موقفا صلبا داعما له، وتحول لعمق استراتيجى للعراق، وسوق اقتصادى متكامل لتخفيف الحصار، وكان ذلك موقفا خطيرا فى وقت بلغ فيه التهور الأمريكى كل مبلغ. والملفت أن النظام واصل تقديم التسهيلات للمقاومة العراقية أثناء عدوان 2003 وكان يسهل دخول المقاومين من مختلف الجنسيات للعراق (وأنا أيضا شاهد على ذلك) وحتى بعد سقوط بغداد، ظل موقف النظام السورى مساعدا للمقاومة العراقية ولكن بصعوبة أكبر فى ظل الضغط الأمريكى. ولكن النظام السورى لم يتراجع فى مسألة إيواء المقاومة الفلسطينية ولا فى أن يكون ممرا وداعما ومسلحا للمقاومة اللبنانية طول الوقت، وكان لذلك دور بالغ الأهمية فى حرب تموز 2006 التى هزم فيها الصهاينة. ونقول إن هذه وقائع لا يمكن إنكارها وبغض النظر عن الدوافع والنوايا، فقد كانت هذه المواقف مفيدة وايجابية بالتأكيد فى صراعنا التاريخى ضد العدو الصهيونى، حتى وإن كان النظام السورى لا يقوى على حرب إسرائيل بصورة مباشرة بدون مصر.
وكل هذا التاريخ لا يبرر للنظام السورى أن يتعامل بقسوة مع شعبه، وهذه المعاملة القاسية هى التى فتحت خرقا فى الجدار لتسلل التدخل الأجنبى. لا تفتنوا الناس وتضعونهم فى تناقض مستحيل الحل بين الحرية والكرامة من ناحية ودعم المقاومة والاستقلال من ناحية أخرى. فهذه الفتنة هى التى تجعل بعض الناس تقول بالاستعانة بالشيطان الأمريكى. ونحن لا يمكن أن نوافق على ذلك ولكننا نفسر لماذا تنتشر هذه الفكرة فى بعض البلدان تحت وطأة الاستبداد والفساد. ولكننا سنظل نحاربها فى سوريا كما حاربناها فى العراق فى زمن صدام. وكما حاربناها دوما فى مصر وفى أى بلد عربى أو إسلامى.
المهم أننا الآن أصبحنا أمام تدخل أمريكى غربى صهيونى سافر فى الشئون السورية. وبينما يتم تجييش الناس للذهاب إلى سوريا (كما ذهبنا من قبل لأفغانستان) للقتال من أجل دولة إسلامية، فإن المسرح يعد لإنقضاض أمريكى أطلسى على سوريا بحجة البحث عن الأسلحة الكيماوية (تانى!! وهل نحن مجموعة من البله لنصدق أن هذا هو هدفهم الحقيقى!)، ولمنع قيام دولة إسلامية متطرفة، ولتنصيب القوى العميلة فى النظام القادم. ولأن الطبخة لم تنضج بعد ويخشى الأمريكيون من انفلات الزمام من أيديهم، فهم يفرملون الآن الدعم المالى والعسكرى للجيش الحر وغيره من التشكيلات العسكرية. وأصبح الموقف المناسب لهم مؤقتا هو استمرار هذا الاستنزاف أطول فترة ممكنة (على طريقة الحرب العراقية الإيرانية) فلهذا الاستنزاف فوائد لا تحصى: استنزاف بلد استراتيجى مهم كسوريا - استنزاف الجيش السورى وتفكيكه - تفكيك سوريا إلى دويلات طائفية وهذا هدف استراتيجى قديم - إضعاف محور المقاومة والممانعة - إحداث وتطوير فتنة طائفية سنية شيعية كبديل للصراع ضد الحلف الصهيونى الأمريكى - إحراج وإضعاف حزب الله وإيران وتحميلهما مسئولية ما يجرى فى سوريا. وقد أدى هذا المخطط الأمريكى إلى تفريغ مناطق بأكملها فى سوريا من السكان وتعريض البلاد لحالة غير مسبوقة من الدمار. ولكن هذا التخطيط الماكر سينقلب عليهم إن شاء الله. ولكن قبل أن نوضح ذلك لابد من توضيح حجم التدخل والاختراق الأجنبى لإدراك حجم خطورته. ولنبدأ بما هو معلن رسميا:
كشفت صحيفة نيويورك تايمز (وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكى فيما بعد) بداية تدفق ووصول قوات أمريكية إلى الأردن وفى منطقة الحدود مع سوريا، ويقولون إن أعدادهم بالمئات. ولكن لا توجد وسيلة للتأكد من الزيادة المطردة لعددهم!! خاصة وأنهم موجودون منذ شهور. وأكدت التايمز وجود قوات بريطانية لمرافقة القوات الأمريكية استعدادا لدخول الأراضى السورية فى الوقت المناسب. وتسرب مصادر غربية أن عدد القوات المطلوب للسيطرة على أسلحة سوريا الكيماوية هو 75 ألف جندى!!
وتقول المحللة الغربية روزمارى هوليز "بالنسبة للأردن فكلما زاد عدم الاستقرار فى سوريا كلما تعمقت الأزمة وزادت فرص تعرض الأردن لمخاطر تمدد القتال فى المنطقة، إلا أنهم غير قادرين على فعل أى شىء للتدخل فى سير النزاع وترجيح كافة أى طرف ضد الآخر ما لم يحصلوا على غطاء صاروخى وعلى دعم جاد من القوات الدولية، ألا وهم الأمريكيون".
وترى هوليز أيضا (أن تواجد القوات الأمريكية فى الأردن هو خطوة نحو الاستعداد لأى عمليات عسكرية محتملة فى المستقبل لتأمين الترسانة الكيماوية لسوريا). وكأنها على سبيل المصادفة تجرى الآن أكبر مناورات مشتركة بين إسرائيل وأمريكا فى فلسطين المحتلة، حيث تتدفق القوات الأمريكية إليها بزعم أنها مناورات ستستمر لمدة 3 أسابيع، وأن عدد القوات الأمريكية حوالى ألف جندى ولكن مرة أخرى من يراقب العدد الحقيقى والمتزايد لهذه القوات خاصة وأن النبأ الرسمى ذاته يتحدث عن مشاركة 3500 جندى أمريكى وأوروبى وألف جندى إسرائيلى فى مناورات "التحدى الصارم"! وتترافق هذه المناورات مع تصريح لرئيس وزراء العدو الصهيونى نتنياهو بأن إسرائيل مستعدة للتدخل العسكرى فى أى وقت فى سوريا للسيطرة على الأسلحة الكيماوية (أى نفس كلمة السر!).
ومن جانبه يقول تروبوجان سولتفيدت، المحلل البارز فى مؤسسة مابل كرافت البريطانية لتحليل المخاطر، إنه يرى أن الموقف الحالى هو مرحلة مراقبة وتدريب.
وأضاف سولتفيدت: "بالنظر إلى درجة انتشار مخزونات الأسلحة الكيماوية السورية فى مختلف أرجاء البلاد، فإن عملية تأمينها ستكون كبيرة وستتطلب أعدادا كبيرة من القوات.. كان البنتاجون قد قدر أن عملية لتأمين المخزون الكيماوى السورى قد تحتاج إلى نحو 75 ألف جندى بسبب وجود العديد من منشآت التصنيع الكيماوية والعديد من مواقع التخزين المنتشرة فى مختلف أرجاء البلاد.
وأبلغ ستيفان بوكى، خبير الأسلحة الكيماوية فى مؤسسة هيرتيج فاونديشين، الكونجرس الأمريكى أنه ربما هناك نحو خمسين موقعا للأسلحة الكيماوية فى سوريا.
ومن أوروبا أيضا بينت التقارير الصحافية واعترافات الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند ووزير الخارجية البريطانية وجود عشرات المقاتلين ممن يحملون جنسيتى البلدين داخل الأراضى السورية.
ويقول تيرى ميسون وهو من أبرز صحفيى فرنسا حول هذا الموضوع:
(قتلت الشرطة الفرنسية فى 6 أكتوبر الحالى مواطنا فرنسيا سلفيا أثناء قيامه بهجوم على محل تجارى يهودى. وقد تبين من عمليات التفتيش التي قامت بها الشرطة فى منزله أنه كان ينتمى لشبكة تضم أفرادا ذهبوا "للجهاد" فى سوريا, وبعد أيام أربعة من تلك الحادثة, وضعت الشرطة البريطانية يدها على حالة مماثلة.
الرسالة التى رغبت باريس ولندن بإيصالها من خلال هاتين الحادثتين تقول: إن المواطنين الفرنسيين والبريطانيين الذين قتلوا فوق الأراضى السورية, لم يكونوا عملاء استخبارات ينفذون مهمات سرية, بل مجرد متشددين, تصرفوا تبعا لإرادتهم.
من المؤكد أن هذا غير صحيح, لأنه كان فى حوزة بعض هؤلاء "الجهاديين" أجهزة اتصالات باسم حلف شمال الأطلسى, سبق أن زودتهم بها كل من فرنسا وبريطانيا).
المعلومات تتدفق بلا نهاية عن حجم التدخل الغربى, أو بمعنى أصح الاختراق الغربى, ويظهر ذلك بوضوح مع المعارضة السورية بالخارج، حيث توجد قصص فساد لا أول لها ولا آخر. ولا يجرؤ أحد منهم على نفى ما ينشر فى حقه. وكمثال واحد فى هذا المحور نشير إلى ما قاله المعارض السورى هيثم مناع من أن (مجلس استانبول) العمود الفقرى للمعارضة المرتبطة بالخارج، تحتضنه وتموله 4 شركات أمريكية - حسبما أوضح - و4 شركات أمريكية تعنى 4 شركات صهيو - أمريكية.
وعلى محور آخر نجد التدخل الغربى فى النشاط المسلح من خلال تسليح وتمويل وتدريب الجيش الحر، ومجموعات مسلحة أخرى. والمعروف أن حلف الناتو يستخدم قاعدته المعروفة فى تركيا (أندرليك) لتدريب قادة الكتائب المسلحة، مع الاستمرار فى قيادتهم عندما يعودوا إلى الداخل السورى، بأحدث وسائل ومعدات الاتصال، ومع الاستمرار بتوجيه العمليات العسكرية. هذا ما أكده تيرى ميسون وكثير من وسائل الإعلام الغربى. ولكننى تأكدت بنفسى من صحة هذه الحقيقة فى اتصالات مع مجاهدى الداخل السورى الذين لا يوافقون على ذلك. والذين يطالبون بضرورة إنضباط المتطوعين من خارج سوريا تحت إمرة القيادة السياسية السورية.
وهذه القيادة الغربية العلنية التى تتحرك وتجتمع علنا باسم مجموعة أصدقاء سوريا والتى ترأسها هيلارى كلينتون، تبحث فى مصير سوريا وتضع الخطط لقيادات المعارضة فى الخارج، وتعد دستورا لسوريا (كما فعلوا فى العراق). التحول للعمل العسكرى وما يستلزمه من أعباء وتكاليف كان عاملا مساعدا لسقوط التحرك الشعبى السورى فى شبكة عنكبوت غربية. وليس صحيحا أن قطر والسعودية لديهما جدول أعمال لإشاعة الديمقراطية فى المنطقة، ولا برنامج لنصرة الإسلام أو السنة. فهما دولتان خاضعتان للاحتلال الأمريكى بالمعنى الحرفى للكلمة، وليس لهما إرادة مستقلة، حتى نرهق أنفسنا فى تحليل سياساتهما. إن أمريكا تستخدم البلدين لتدمير سوريا التى يحكمها نظام علمانى يستند للطائفة العلوية كما استخدمتهما لتدمير العراق التى كان يحكمها نظام علمانى يستند للطائفة السنية. واستخدمت السعودية للتضييق على المقاومة السنية فى فلسطين، واتهمت حزب الله بالمسئولية عن عدوان 2006 على لبنان. أما قطر فهى تقوم بدور الصدر الحنون مع كل أشكال المقاومة والثورات لجذبها للقطب الأمريكى والصهيونى إن أمكن. وإلا لماذا لم تعلن قطر أو السعودية الحرب الإسلامية المقدسة للدفاع عن فلسطين أو لبنان أو العراق (بل استخدمت أراضيهما لتدمير العراق وسحل أهله: السنة قبل الشيعة) أو أفغانستان السنية المحتلة الآن من الأمريكان وحيث تعربد قوات الغرب فى قتل النساء والأطفال، أو باكستان السنية أو اليمن حيث تقتل الطائرات الأمريكية ما تشاء من أهل الإسلام. وتولى بندر سلطان موقع المخابرات السعودية كان نذير شؤم، فهو شخصيا بلا أى التباس عميل أمريكى من رأسه حتى أخمص قدميه، وقصته منشورة فى كتب أمريكية، وهى مسلية للغاية ولكنها تدمى القلوب. ويكفى أن نشير سريعا الآن لحقيقة أن بندر عندما كان سفيرا لبلاده فى أمريكا كان يزور البيت البيض فى أى وقت، وأنه عرف بموعد غزو العراق قبل باول وزير خارجية أمريكا!! فهو صديق حميم لعائلة بوش أشد عائلة أمريكية عداء للإسلام والمسلمين، والحقيقة أنه صديق حميم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
الأمريكان والصهاينة يستهدفون من قصة سوريا الدموية شيئا واحدا لا غيره: ضرب محور المقاومة والممانعة: إيران - سوريا - حزب الله والمقاومة اللبنانية - المقاومة الفلسطينية. والعراق مرشح للانضمام إلى هذا المحور إذا تخلص من بقايا غليظة للنفوذ الأمريكى وأيضا إذا تخلص من حالة الارتهان للبعد الطائفى الذى أرهق الجسد العراقى وأيضا إذا تخلص من حالة الفساد المروعة التى تأكل جسد الدولة. والمقاومة الأفغانية هى امتداد موضوعى لهذا المحور، حتى بدون تنسيق أو تحالف عضوى، وإن كانت هناك دلائل مؤكدة على وجود نوع من التواصل بين إيران والمقاومة الأفغانية وقد اشتكت القيادة العسكرية الأمريكية كثيرا من ذلك، وقدمت الدلائل. لا يقاوم الاجتياح الأمريكى الصهيونى إلا هذا المحور (مع مراعاة دور المقاومة العراقية السابق فى طرد الأمريكان) وقد حاولت أمريكا بعد هزيمتها فى العراق وأفغانستان، ضرب هذا المحور فى لبنان 2006 عبر عدوان إسرائيل الذى سمته كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا فى ذلك الوقت (مخاض شرق أوسط جديد)!! وفشلت. ثم تصوروا أن غزة هى أضعف نقطة فى قوس المقاومة ولكنهم فشلوا فى عدوان 2008. وأخيرا وجدوا فى الحراك الشعبى السورى ضالتهم المفقودة، خاصة وأن تأجيج الصراع الطائفى السنى الشيعى محور دائم فى مخططاتهم لتمزيق المنطقة، واستخدموه فى العراق بنجاح لا بأس فيه، واستخدموه بنجاح أقل أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ويستخدموه فى لبنان بدون نجاح كبير حتى الآن. والآن يتم تصديره إلى بلاد لا توجد فيه أى نسبة تذكر للشيعة. والآن يتم توظيف الصراع فى سوريا ليصب فى معركة سنية شيعية (رغم أن العلوية ليست مذهبا معترفا به لدى الشيعة الاثنى عشرية) بتصوير أن إيران وحزب الله يؤيدون النظام السورى لأنه شيعى والواقع أنه نظام علمانى. هذا هو هدف أمريكا والصهيونية. وقد عبر دانى ميريدور نائب نتنياهو عن الموقف الإسرائيلى بمنتهى الدقة فى حديث للفيجارو الفرنسية:
(إن إسرائيل توجد فى موقف صعب للغاية. أى تغيير فى سوريا يحمل مخاطر. هناك خطر الجهاد. ولكن بالنسبة لنا، فإن الأولوية بشكل واضح تكمن فى كسر التحالف بين سوريا وإيران وحزب الله. وهذا الأمر يتجاوز المخاطر الكامنة فى تغيير النظام فى دمشق. نحن لا نعلم متى سيسقط نظام الأسد. ولكن عندما يتحقق ذلك فإنه سيضعف إيران وحزب الله وسيكون ضربة كبيرة ضد طهران) ورحب نائب نتنياهو بالتحالف الذى ينشأ بين الدول الغربية والدول العربية ضد إيران مع ضرورة توجيه ذلك التحالف ضد البرنامج النووى الإيرانى.
إذن هذا الحلف الصهيونى الأمريكى الغربى لا يهتم قيد أنملة بحقوق للإنسان السورى أو غير السورى، ولا يصلح لأن يكون حليفا مسيطرا فى أى عمل إصلاحى أو ثورى فى بلادنا العربية والإسلامية، بالعكس فلا إصلاح حقيقى ولا حرية ولا نهضة بدون طرد هذا النفوذ المعادى من أراضينا.
ولكن لابد من إلقاء الضوء بشكل خاص على موقف إيران وحزب الله فى سوريا وموقف روسيا والصين وما الذى يفعله تنظيم القاعدة؟. وهذا يحتاج لحلقة ثالثة إن شاء الله.
مبادرة شعبية تساند الدولية والرسمية لوقف إطلاق النار فى العيد
يشارك حزب العمل فى جهود شعبية عربية تستهدف إنجاح إقتراح وقف إطلاق النار فى سوريا خلال عيد الأضحى المبارك، على أن تكون فرصة لاستمرار وقف إطلاق النار بعد العيد. فالشعب السورى فى أمس الاحتياج لالتقاط الأنفاس، وأيضا فى إطار فرصة لإيجاد حالة من التفاوض الحقيقى بين كافة الأطراف حول أسس المرحلة الانتقالية. وفى هذا الإطار أسافر ممثلا لحزب العمل فى اجتماع الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية فى بيروت، ولقاء ممثلى المعارضة السورية بالداخل على هامش هذا اللقاء. وكانت الاتصالات الهاتفية المكثفة التى أجريناها مع هيئة التنسيق الوطنية فى الداخل السورى قد كشفت التوصل إلى تصور محدد لحل الأزمة فى مرحلتها الراهنة فى النقاط التالية:
وقف إطلاق النار بصورة متبادلة - إطلاق سراح المعتقلين - عودة المهجرين إلى ديارهم - البدء فى تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة خلال شهر - عودة الجيش إلى الثكنات - إعداد الدستور - انتخابات تشريعية ورئاسية خلال عام.
وكانت هيئة التنسيق الوطنى هى التى عقدت مؤتمر إنقاذ سوريا فى فندق أمية بدمشق وحضره سفراء روسيا والصين وإيران.
وقد أكدنا فى اتصالاتنا أن وقف إطلاق النار لن يستقر بدون طاولة مفاوضات تستبعد التدخل الخارجى (إلا فى حدود إرسال قوات عربية أو إسلامية لتثبيت وقف إطلاق النار). وإن التوصل لخطة انتقالية وطنية للسلطة فى سوريا لن يتم بدون التفاوض مع النظام السورى. وإن الغرب وعملاءه كانوا يدفعون دائما ضد التفاوض، دون أن يقدموا أسباب النصر العسكرى للمحاربين (أسلحة مضادة للدروع والطائرات)، والهدف كما ذكرنا وكما بدأ الناس يدركون فى سوريا أن الغرب يريد استنزاف سوريا وتدميرها وإضعافها لا مناصرة الشعب السورى. إن المتاجرة بالدم السورى لابد أن تتوقف. وإن الإخوة الإسلاميين الذين يدعون للجهاد فى سوريا ويرسلون المتطوعين لابد أن يدرسوا الخريطة الاستراتيجية للصراع ولا يتصرفوا بعشوائية فى أمور مصيرية (يتحدث الشعب السورى الآن عن ظاهرة المقاتلين العشوائيين)، فالجهاد ليس لعبة ولا يمكن أن يكون بالتعاون مع الناتو أو تحت قيادته, كذلك فهناك قاعدة أن أهل البلد أدرى بشعابها.