سياسة الغرب تجاه الأنظمة الإسلامية
|
مصطلح الإسلاميين أو الإسلام السياسي الذي يملأ الساحة العربية الآن شأنه شأن الكثير من المصطلحات السياسية الأخرى التي نمت خارج الحقل المعرفي العربي كالديمقراطية والليبرالية والعلمانية، التي يستعير في بعض الجماعات السياسية العربية شغفها، فترجم فيها بالغيب لتوظفها لنصرة قضاياها وحججها دون أن تعرف ماهيتها أو تدرك كنهها. فما حقيقة مصطلح الإسلام السياسي وهل يتخير البعض هذه المصطلحات لتحريف معنى الإسلام والمسلمين بتزييف الألفاظ التي تطابقهما؟ وما موقف الغرب من الحكم الإسلامي أيا كانت طبيعة القائمين عليه؟
في البداية تجب الإشارة إلى أن كلمتي إسلام ومسلم لم تدخل القاموس السياسي الغربي إلا في القرن العشرين لتستبدل بها كلمة المحمديين التي كانت دارجة في الغرب في وصف المسلمين لما تحمله في طياتها من تكذيب الغرب المسيحي لرسالة الإسلام. بذلك لم تُستخدم كلمة إسلام في المعاجم والكتابات الغربية التي سبقت القرن العشرين إلا في انجلترا في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، أو عرضا في كتابات فولتير، وفي كلتا الحالتين كانت تعني المسلمين كافّة.
في البداية تجب الإشارة إلى أن كلمتي إسلام ومسلم لم تدخل القاموس السياسي الغربي إلا في القرن العشرين لتستبدل بها كلمة المحمديين التي كانت دارجة في الغرب في وصف المسلمين لما تحمله في طياتها من تكذيب الغرب المسيحي لرسالة الإسلام. بذلك لم تُستخدم كلمة إسلام في المعاجم والكتابات الغربية التي سبقت القرن العشرين إلا في انجلترا في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، أو عرضا في كتابات فولتير، وفي كلتا الحالتين كانت تعني المسلمين كافّة.
أما استخدام كلمة إسلاميين أو إسلام سياسي لوصف طائفة من المسلمين فلم ترد قط في الكتابات الغربية قبل سبعينيات القرن العشرين. والشاهد على ذلك أن الإنسيكلوبيديا الإسلامية التي أصدرها المستشرقون في العام 1938 خلت تماما من هذه العبارة. فمن أين جاء هذا المصطلح؟
في الواقع مصطلح إسلام سياسي تعبير حديث ابتدعه بعض الأكاديميين الفرنسيين في سبعينيات القرن الماضي، وراج في فرنسا بعد الثورة الإيرانية ثم انتقل منهم إلى إنجلترا وأميركا وغيرها، شأنه في ذلك شأن مصطلحات أخرى ابتدعها أكاديميون فرنسيون كمصطلح العالم الثالث ومصطلح الجندرة للتعبير عن مفهوم المساواة بين الرجال والنساء.
وبذلك من المنطقي أن نبحث عن مدلول مصطلح الإسلام السياسي عند الفرنسيين أولا. ولكي نعطي أنموذجا لما يقصده الأكاديميون الفرنسيون بهذا المصطلح فنورد هنا تعريف البروفيسور فيليب ديريبارن مدير الأبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية للإسلام السياسي، وفق ما ورد في مقاله بصحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 10/07/2013.
فقد كتب ديريبارن "حينما نتحدث عن الإسلام السياسي فإننا نتحدث عن القوى السياسية التي تعلن عن نيتها في بناء مجتمع يحكم بالرؤية الإسلامية".
ورغم وضوح تعريف البروفيسور فيليب فإنه من ناحية مجمل ومن الناحية الأخرى لا يمثل وجهة نظر رسمية رغم المكانة العلمية الكبيرة لمركز الأبحاث الوطني الفرنسي، فماذا يعني هذا التعريف تفصيلا؟ وهل يمثل وجهة النظر الرسمية الأوروبية؟
نعم، وقد جاء تأكيد تعريف البروفيسور الفرنسي وتفصيله في أحد قرارات المجلس البرلماني الأوروبي الذي يتكون من 381 عضوا تختارهم برلمانات 47 دولة أوروبية تمثل 800 مليون مواطن، وهو الذراع التشريعي لمجلس أوروبا أقدم المنظمات الأوروبية الذي تتبع له محكمة حقوق الإنسان الأوروبية والمكلف بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون.
وورد تعريف الإسلام السياسي في المادة الثانية من قرار المجلس البرلماني الأوروبي رقم 1743 للعام 2010 التي يقول نصها إن الإسلام السياسي هو "تصور للإسلام ليس فقط (كدين) وإنما كمنهج سلوك اجتماعي وقانوني وسياسي. الإسلام السياسي يمكن أن يكون عنيفا أو مسالما ومعتدلا، ولكنه على أي حال لا يعترف بالفصل بين الدين والدولة الذي يعد أساس المجتمعات الديمقراطية التعددية".
نستخلص من هذا التعريف أن المشكلة في الإسلام السياسي في نظر الغرب ليست في طبيعته أو رفضه للتعايش وإنما في أهدافه الرامية لتبني الإسلام منهجا للسلوك الاجتماعي والقانوني والسياسي، ولممانعته في قبول الفصل بين الدين والدولة، وبذلك فمقابل مصطلح الإسلام السياسي ليس الإسلام المعتدل كما يعتقد الكثيرون، لأن الأمر لا يتعلق بطبيعته، بل ما يقابله هي العلمانية الفرنسية التي تدعو لإبعاد الدين عن كل ما هو اجتماعي أو قانوني أو سياسي.
وبذلك يقع تحت هذا التعريف كل من ينادي بأن تحكم القواعد الإسلامية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو أن تصبح الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، أو أن تتبنى الدولة مناهج التربية الإسلامية في المدارس الحكومية كيفما كانت التسمية التي يطلقها على نفسه سنيا أو شيعيا، قوميا أو ليبراليا أو إسلاميا.
والسؤال هنا: ما أهمية هذا التعريف الأوروبي للإسلام السياسي؟ الإجابة: أهميته قصوى، لأن أوروبا وأميركا التي خرجت من صلبها هي مصدر وأساس القانون والنظام الدوليين اللذين نعيش في ظلهما منذ القرن التاسع عشر، وعليه فهي التي تحدد حقوق الدول ومناهج السلوك الدولي وتضمن تطابق هذا السلوك مع النظام الذي خطته بيمينها، والذي هو في الحقيقة حكومة عالمية تنفرد فيه الدولة العظمى أو مجموعة الدول العظمى باحتكار استخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن العالمي وتصبح الحكم في المنازعات والمقوم لسلوك الدول.
والسؤال الأصعب: هل تتبع أوروبا والغرب قولها بالعمل وتسعى لمنع إقامة أنظمة تتبنى الإسلام منهجا سياسيا وقانونيا واجتماعيا؟ البعض يقول نعم، ويستشهد بمنع جبهة الإنقاذ في الجزائر من الوصول للحكم عن طريق الانتخابات، وعزل حماس بعد فوزها بانتخابات فلسطين، وإسقاط الرئيس محمد مرسي عن طريق الجيش في مصر مؤخرا.
في المقابل يقول البعض الآخر إن الغرب قد قبل بالأمر الواقع لما رآه من إصرار المسلمين على تمسكهم بالنهج الإسلامي المتكامل، وبذلك تعامل مع حكومة طيب أردوغان في تركيا وحكومة الرئيس محمد مرسي في مصر وحكومة حزب النهضة في تونس. فما حقيقة موقف أوروبا والغرب من هذه المسألة؟
للإجابة على هذا السؤال أعود بالقارئ إلى منتصف القرن التاسع عشر الذي شهد أول طرح جاد لهذا السؤال في أوروبا بعد دعوة الإمبراطورية العثمانية، دولة الخلافة الإسلامية لأول مرة لمؤتمر أوروبي في باريس لدمجها في النظام العالمي الذي أقامته أوروبا في مؤتمر فيينا 1815 عقب هزيمة نابليون.
وقد أثارت هذه الدعوة في حينها عين الجدل الذي يثيره انضمام تركيا لمنظمة الوحدة الأوروبية الآن. وعرضت المسألة لاحقا على المركز العالمي للقانون الدولي الذي كان يضم خيرة علماء القانون والسياسة الأوروبيين تحت قيادة عالم القانون الفذ كاسبار بلونتشلي.
وقد طرح السؤال على العلماء الأوروبيين على الوجه التالي: هل من الممكن أن تخضع تركيا التي تمثل الخلافة الإسلامية للقانون الدولي ذي الأصل الأوروبي وتصبح جزءا من النظام الدولي؟
للبحث في هذه القضية كلف المركز الأكاديمي الإنجليزي السير ترافيرس تويس بإعداد تقرير حول الموضوع وعرضه للنقاش في جلسة بجامعة أكسفورد. وتلخصت آراء المركز في أن قبول تركيا للاندماج في النظام الأوروبي كان نتاجا لمشاكلها الاقتصادية وضعف قوتها العسكرية والضغوط الأوروبية الهائلة التي مورست عليها وأن قبولها بالاندماج في النظام الأوروبي لا يعدو أن يكون هدنة بين حضارتين، تسعى إحداهما (الإسلامية) للاستقلال بذاتها ولا ترى غير الإهانة في تبعيتها للأخرى (الغربية). واتفقوا كذلك على أن المعضلة الحقيقية في ضم المجتمعات الإسلامية للنظام الدولي تتمثل في أن المجتمعات الإسلامية تبحث في القرآن الكريم عن نظمها وواجباتها الدولية.
لكن السير ترافيرز دافع عن إمكانية اندماج تركيا الإسلامية في النظام الأوروبي بدهاء الإنجليز المعهود بقوله إذا كانت العقبة هي قرآن محمد (صلى الله عليه وسلم) فهناك وسيلة لتجاوزها بالضغط على تركيا لتفسير القرآن بالطريقة التي تجعله يتطابق مع القانون الأوروبي، وذكر في ذلك شواهد، حيث استشهد بإصدار السلطان عبد المجيد للمرسوم السلطاني (هاتي شريف) عام 1839 الذي ساوى في الحقوق بين مواطني الإمبراطورية على اختلاف أديانهم وجنسياتهم، واعتبر ذلك مخالفا لتفسيرات القرآن الكريم، واستنتج منه أن أوروبا في الطريق لتغيير طبيعة القرآن. وذكر لهم المثل الأوروبي الذي يقول إن ما يكلف في أي قرار هي الخطوة الأولى أما البقية فمحض اعتياد.
خلاصة هذا أن موقف أوروبا من الأنظمة الإسلامية في إطار النظام الدولي الذي أقاموه لم يتغير منذ القرن التاسع عشر، وهو أن الأنظمة الإسلامية لا تتناسب مع النظام العالمي ذي الأصل الأوروبي، ولكي تتوافق معه فلا بد من إقناع أو حمل المسلمين على التخلي عن جزء من القرآن أو على تطويع قرآنهم بتفسيرات مستحدثة تجعله خاضعا لمبادئ القانون الدولي.
وفي هذا الإطار يتبنى الغرب منهجين في التعامل مع الأنظمة الإسلامية، الأول سياسة الاحتواء والضغط المتواصل مع الدول التي يرى الغرب أنه من الممكن أن تغير سياساتها وفقا لتفسيرات إسلامية تنسجم مع المبادئ الغربية أو أن تتخلى عن بعض الأحكام الإسلامية. والثاني سياسة المواجهة مع الدول التي تسعى لإقامة أنظمتها وفقا للمبادئ الإسلامية دون اعتبار للواقع السياسي العالمي حتى لا تصبح أنموذجا يحتذى. والهدف النهائي واحد هو فصل القرآن عن نظم المسلمين والتزاماتهم الدولية.
لكن ظلت جهود الغرب في هذا المنحى من غير طائل، حيث إن الدعوة لإقامة الأنظمة على المبادئ الإسلامية تعود بعد كل مرة تنكسر فيها، أكثر زخما وأكثر راديكالية في المنطقة. لأن علاقة الدين بالدولة في أوروبا مختلفة تماما عن علاقة الدين بالدولة في الشرق العربي.
ففي أوروبا دخل الدين المسيحي على الإمبراطورية الرومانية ونظمها السياسية والقانونية راسخة، وكان قسطنطين الأول يجتهد في تعاليم المسيحية لإصدار قوانين تناسب الإمبراطورية. وعليه فإذا سحبت القوانين المسيحية من الإمبراطورية الرومانية أو الدول التي ورثتها فستعود إلى نظمها القديمة وتظل راسخة.
أما العرب فقد كانوا شعبا يملك أرضا، ولكن لم يكن متحدا، والإسلام هو الذي وحد العرب وجعل لهم دولة وحضارة أنارت ظلمات التاريخ وبسط لغتهم على ربع سكان العالم، ولذلك يفخرون بأنهم أمة محمد. وإذا نُزع منهم الإسلام فلن يتبقى لهم شيء وسيعودون إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام من بيت من الشِعر أو بيت من الشَعر.
في الختام هذه ليست دعوة لأن يضع الإسلام نفسه في مواجهة العالم، لأن ذلك لا يصب في مصلحته، ولا لدفع المسلمين لمعارك لم يعدوا لها العدة والعتاد، ولا إنكارا لدور النظام العالمي الحالي في بسط السلام وتحقيق التعاون بين الأمم وإقرار حقوق البشر ونصرة المستضعفين من المسلمين. ولكن كل ذلك لا يمنع الدعوة لاحترام إرادة الشعوب وحقها في إقامة الأنظمة التي تتناسب مع قيمها وتاريخها وحضاراتها التي يقرها القانون الدولي الحالي نفسه أيا كان مصدره، لأن في ذلك دعما للسلم والاستقرار العالمي ودفعا للتعاون بين الشعوب وإثراء للحضارة الإنسانية.
استخدام كلمة إسلاميين أو إسلام سياسي لوصف طائفة من المسلمين لم ترد قط في الكتابات الغربية قبل سبعينيات القرن العشرين. والشاهد علي ذلك أن الإنسيكلوبيديا الإسلامية التي أصدرها المستشرقون في العام 1938 خلت تماما من هذه العبارة |
وبذلك من المنطقي أن نبحث عن مدلول مصطلح الإسلام السياسي عند الفرنسيين أولا. ولكي نعطي أنموذجا لما يقصده الأكاديميون الفرنسيون بهذا المصطلح فنورد هنا تعريف البروفيسور فيليب ديريبارن مدير الأبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية للإسلام السياسي، وفق ما ورد في مقاله بصحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 10/07/2013.
فقد كتب ديريبارن "حينما نتحدث عن الإسلام السياسي فإننا نتحدث عن القوى السياسية التي تعلن عن نيتها في بناء مجتمع يحكم بالرؤية الإسلامية".
ورغم وضوح تعريف البروفيسور فيليب فإنه من ناحية مجمل ومن الناحية الأخرى لا يمثل وجهة نظر رسمية رغم المكانة العلمية الكبيرة لمركز الأبحاث الوطني الفرنسي، فماذا يعني هذا التعريف تفصيلا؟ وهل يمثل وجهة النظر الرسمية الأوروبية؟
نعم، وقد جاء تأكيد تعريف البروفيسور الفرنسي وتفصيله في أحد قرارات المجلس البرلماني الأوروبي الذي يتكون من 381 عضوا تختارهم برلمانات 47 دولة أوروبية تمثل 800 مليون مواطن، وهو الذراع التشريعي لمجلس أوروبا أقدم المنظمات الأوروبية الذي تتبع له محكمة حقوق الإنسان الأوروبية والمكلف بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون.
وورد تعريف الإسلام السياسي في المادة الثانية من قرار المجلس البرلماني الأوروبي رقم 1743 للعام 2010 التي يقول نصها إن الإسلام السياسي هو "تصور للإسلام ليس فقط (كدين) وإنما كمنهج سلوك اجتماعي وقانوني وسياسي. الإسلام السياسي يمكن أن يكون عنيفا أو مسالما ومعتدلا، ولكنه على أي حال لا يعترف بالفصل بين الدين والدولة الذي يعد أساس المجتمعات الديمقراطية التعددية".
نستخلص من هذا التعريف أن المشكلة في الإسلام السياسي في نظر الغرب ليست في طبيعته أو رفضه للتعايش وإنما في أهدافه الرامية لتبني الإسلام منهجا للسلوك الاجتماعي والقانوني والسياسي، ولممانعته في قبول الفصل بين الدين والدولة، وبذلك فمقابل مصطلح الإسلام السياسي ليس الإسلام المعتدل كما يعتقد الكثيرون، لأن الأمر لا يتعلق بطبيعته، بل ما يقابله هي العلمانية الفرنسية التي تدعو لإبعاد الدين عن كل ما هو اجتماعي أو قانوني أو سياسي.
وبذلك يقع تحت هذا التعريف كل من ينادي بأن تحكم القواعد الإسلامية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو أن تصبح الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، أو أن تتبنى الدولة مناهج التربية الإسلامية في المدارس الحكومية كيفما كانت التسمية التي يطلقها على نفسه سنيا أو شيعيا، قوميا أو ليبراليا أو إسلاميا.
المشكلة في الإسلام السياسي في نظر الغرب ليست في طبيعته أو رفضه للتعايش وإنما في أهدافه الرامية لتبني الإسلام منهج للسلوكا الاجتماعي والقانوني والسياسي |
والسؤال الأصعب: هل تتبع أوروبا والغرب قولها بالعمل وتسعى لمنع إقامة أنظمة تتبنى الإسلام منهجا سياسيا وقانونيا واجتماعيا؟ البعض يقول نعم، ويستشهد بمنع جبهة الإنقاذ في الجزائر من الوصول للحكم عن طريق الانتخابات، وعزل حماس بعد فوزها بانتخابات فلسطين، وإسقاط الرئيس محمد مرسي عن طريق الجيش في مصر مؤخرا.
في المقابل يقول البعض الآخر إن الغرب قد قبل بالأمر الواقع لما رآه من إصرار المسلمين على تمسكهم بالنهج الإسلامي المتكامل، وبذلك تعامل مع حكومة طيب أردوغان في تركيا وحكومة الرئيس محمد مرسي في مصر وحكومة حزب النهضة في تونس. فما حقيقة موقف أوروبا والغرب من هذه المسألة؟
للإجابة على هذا السؤال أعود بالقارئ إلى منتصف القرن التاسع عشر الذي شهد أول طرح جاد لهذا السؤال في أوروبا بعد دعوة الإمبراطورية العثمانية، دولة الخلافة الإسلامية لأول مرة لمؤتمر أوروبي في باريس لدمجها في النظام العالمي الذي أقامته أوروبا في مؤتمر فيينا 1815 عقب هزيمة نابليون.
وقد أثارت هذه الدعوة في حينها عين الجدل الذي يثيره انضمام تركيا لمنظمة الوحدة الأوروبية الآن. وعرضت المسألة لاحقا على المركز العالمي للقانون الدولي الذي كان يضم خيرة علماء القانون والسياسة الأوروبيين تحت قيادة عالم القانون الفذ كاسبار بلونتشلي.
وقد طرح السؤال على العلماء الأوروبيين على الوجه التالي: هل من الممكن أن تخضع تركيا التي تمثل الخلافة الإسلامية للقانون الدولي ذي الأصل الأوروبي وتصبح جزءا من النظام الدولي؟
موقف أوروبا من الأنظمة الإسلامية في إطار النظام الدولي الذي أقاموه لم يتغير منذ القرن التاسع عشر وهو أن الأنظمة الإسلامية لا تتناسب مع النظام العالمي ذي الأصل الأوروبي |
لكن السير ترافيرز دافع عن إمكانية اندماج تركيا الإسلامية في النظام الأوروبي بدهاء الإنجليز المعهود بقوله إذا كانت العقبة هي قرآن محمد (صلى الله عليه وسلم) فهناك وسيلة لتجاوزها بالضغط على تركيا لتفسير القرآن بالطريقة التي تجعله يتطابق مع القانون الأوروبي، وذكر في ذلك شواهد، حيث استشهد بإصدار السلطان عبد المجيد للمرسوم السلطاني (هاتي شريف) عام 1839 الذي ساوى في الحقوق بين مواطني الإمبراطورية على اختلاف أديانهم وجنسياتهم، واعتبر ذلك مخالفا لتفسيرات القرآن الكريم، واستنتج منه أن أوروبا في الطريق لتغيير طبيعة القرآن. وذكر لهم المثل الأوروبي الذي يقول إن ما يكلف في أي قرار هي الخطوة الأولى أما البقية فمحض اعتياد.
خلاصة هذا أن موقف أوروبا من الأنظمة الإسلامية في إطار النظام الدولي الذي أقاموه لم يتغير منذ القرن التاسع عشر، وهو أن الأنظمة الإسلامية لا تتناسب مع النظام العالمي ذي الأصل الأوروبي، ولكي تتوافق معه فلا بد من إقناع أو حمل المسلمين على التخلي عن جزء من القرآن أو على تطويع قرآنهم بتفسيرات مستحدثة تجعله خاضعا لمبادئ القانون الدولي.
وفي هذا الإطار يتبنى الغرب منهجين في التعامل مع الأنظمة الإسلامية، الأول سياسة الاحتواء والضغط المتواصل مع الدول التي يرى الغرب أنه من الممكن أن تغير سياساتها وفقا لتفسيرات إسلامية تنسجم مع المبادئ الغربية أو أن تتخلى عن بعض الأحكام الإسلامية. والثاني سياسة المواجهة مع الدول التي تسعى لإقامة أنظمتها وفقا للمبادئ الإسلامية دون اعتبار للواقع السياسي العالمي حتى لا تصبح أنموذجا يحتذى. والهدف النهائي واحد هو فصل القرآن عن نظم المسلمين والتزاماتهم الدولية.
يفخر العرب بأنهم أمة محمد. وإذا نُزع منهم الإسلام فلن يتبقى لهم شيء وسيعودون إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام من بيت من الشِعر أو بيت من الشَعر |
ففي أوروبا دخل الدين المسيحي على الإمبراطورية الرومانية ونظمها السياسية والقانونية راسخة، وكان قسطنطين الأول يجتهد في تعاليم المسيحية لإصدار قوانين تناسب الإمبراطورية. وعليه فإذا سحبت القوانين المسيحية من الإمبراطورية الرومانية أو الدول التي ورثتها فستعود إلى نظمها القديمة وتظل راسخة.
أما العرب فقد كانوا شعبا يملك أرضا، ولكن لم يكن متحدا، والإسلام هو الذي وحد العرب وجعل لهم دولة وحضارة أنارت ظلمات التاريخ وبسط لغتهم على ربع سكان العالم، ولذلك يفخرون بأنهم أمة محمد. وإذا نُزع منهم الإسلام فلن يتبقى لهم شيء وسيعودون إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام من بيت من الشِعر أو بيت من الشَعر.
في الختام هذه ليست دعوة لأن يضع الإسلام نفسه في مواجهة العالم، لأن ذلك لا يصب في مصلحته، ولا لدفع المسلمين لمعارك لم يعدوا لها العدة والعتاد، ولا إنكارا لدور النظام العالمي الحالي في بسط السلام وتحقيق التعاون بين الأمم وإقرار حقوق البشر ونصرة المستضعفين من المسلمين. ولكن كل ذلك لا يمنع الدعوة لاحترام إرادة الشعوب وحقها في إقامة الأنظمة التي تتناسب مع قيمها وتاريخها وحضاراتها التي يقرها القانون الدولي الحالي نفسه أيا كان مصدره، لأن في ذلك دعما للسلم والاستقرار العالمي ودفعا للتعاون بين الشعوب وإثراء للحضارة الإنسانية.
المصدر:الجزيرة
شارك |
شارك برأيك
انشر تعليقك عن طريق تسجيل الدخول باحدى الطرق التالية:
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الجزيرة وإنما تعبر عن رأي أصحابها
صراع مستعر و شرسمنذ ساعة | (1) | (0) |
التاريخ خير شاهد على قوة وتمكين العرب والمسلمين بالإسلام و ضعغهم و تفككهم بغيره. الغرب يريد ذلك ليرتاح من المنافسة ليس على الأفكار بل على المصادر الطبيعية خاصة النفظ. فالعالم الإسلامي يستحوذ على 70% من مصادر الطاقة عالميا. قيمة الدولار لن تساوى شئ لولا تجارة النفط بعملة الدولار الغير مغطي بالذهب.الغرب سيقاتلك للأبد من أجل الحفاظ على طباعة الدولارات إلى ما لانهاية لأن العالم الحالي يبيع و يشتري النفظ بالدولار.
جبر عبد اللهمنذ ساعة | (0) | (0) |
الخلاصة التي اريد ان اذكرها هو ان على المسلمين اليوم وبشكل كبير التركيز على دعوة غير المسلمين الى الاسلام وهناك الان اكثر من 5 مليار ونصف انسان غير مسلم يعيشون معنا ولا يعرفوننا ويجدون تشويه متواصل للاسلام وليس هناك من مدافع عنه
عبدالله ولد السعيدمنذ ساعتين | (3) | (0) |
(التلاعب بالمصطلحات لإخفاء الرسائل سياسة عتيقة) فعندما تسمع أن فلان مسلم وأن علان إسلامي سيتبادر إلى ذهنك معنيان مختلفان بسبب الدفق الإعلامي الموجه إلى ذهنك
يريدون اختراع تفسير جديدمنذ 3 ساعات | (4) | (1) |
يوافق أهواءهم للقرآن الكريم , هلا قرأوه فرأوا تفسيره الصحيح ثم حكموا بعد ذلك أين يقفون منه ؟؟ يذكرني هروبهم بسيد الأوس أو الخزرج ( لا أذكر) حينما وضع في أذنيه قطنا حتى لا يسمع القرآن, ثم فكر فقرر أن يسمع ثم يقرر , أفيكون هذا العربي البدوي أبعد منهم نظرا وهم الذين بلغوا في العلم شأوا بعيدا؟؟؟
Khalil Moustafaمنذ 3 ساعات | (8) | (1) |
انها فوضى نفس الفتنة التي أدت الى الانقلاب الدموي في مصر أي نفس الفيروس امتفشي في دول الربيع العربي لاسقاط التجربة الديموقراطية في وطننا. هذا الفيروس مصنوع صهيوني غربي معاد لكل ما هو اسلامي تنفذه بعض آيادي خبيثة من العلمانيين المتصهينين ومنها فلول الدولة العميقة والتي ترك لها المجال لتنخر في المجتمع ولا تريد الخير لبلدها و اتنمنى ان تنشأ محاكم ثورية لاعادة النظام للدولة.
Khalil Khaledمنذ 5 ساعات | (13) | (2) |
لا قيمة ولا عزة وكرامة للعرب مهما اختلفت اديانهم او افكارهم بدون الفكر الاسلامي اساسس الحضارة العربية والاسلامية من يرفض الاسلام فكأنه يرفض تاريخه الحضاري .
هشام عبد القادرمنذ 5 ساعات | (14) | (2) |
صدق عمر بن الخطاب حين قال نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. و هذا ما هو حاصل و هذا ما يريده لنا دعاة العلمانية ان نعيش تحت امرة و في كنف الغرب المتصهين مع ان عزتنا لن تتحقق من دون الاسلام فالعرب بدون الاسلام الذي يشمل كل مناحي حياتنا و ليس فقط الطلاق و الزواج و الارث لا شئ.
عمر الحبيبمنذ 6 ساعات | (7) | (0) |
انا اقول ان ليس للغرب مشكلة مع الاسلام كطريقة للحياة بدليل ان اكثر الدول المتشدقة باسلامها هم الخليج والعراق حلفائهم بينما هم في صراع مع حكومات امريكا الجنوبيه الديمقرطية الوطنية. اساس الصراع هو النفوذ و الموارد و العلوم بمعنى دوله اسلامية مستهلكه افضل من دوله علمانية منتجة كتركيا و ماليزيا
طارق الحضرميمنذ 10 ساعات | (9) | (0) |
لو تحول كتاب المقالات إلى هذا النمط في الوقت الراهن لأفادوا كثيرا بدلا من الكتابة الوصفية في زمن ثورة المعلومات أي لا نريد أن يخبرنا (كتاب المقالات) بما نعرف. كما نحتاج إلى الكتابة النقدية لأخطاء الإسلاميين و الوطنيين خاصة معضلة العمل في ظل بيئة معادية (الدولة العميقة) و ينبثق من ذلك كيفية التخطيط الإجتماعي و السياسي المرتبط بالتوعية مثل التي وردت في المقال لإزالة مكر الليل و النهار لغسل أدمغة الناس
الراي والراي الاخرمنذ 10 ساعات | (8) | (2) |
المسلمون امة لهدا يصعب كسر شوكتها.تفسير القران خط احمر للخارج على الجماعة من اجل موافقة راي القلة في احداث الامة وتحدياتها.الحكم ليس لمن هب ودب وركب عقله فضل.منهج شرع الله يحكم في الدول العربية وشعوبها لاترى اتفاقا على الخروج على حاكمها ومحافظة على النمط الاسلامي والغرب يحيره امر هده الدول عكس اللتي سكن سرطان اللبيرالية والاشتراكية والماركسية في انظمت حكمها اللتي ان بنت وطنا حطمت شعبا وان رممت شعبا هدمت الوطن على راسه وكثر فيها الجدال.