والحج هو عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين وذلك لما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- سئل' أي الأعمال أفضل ؟ قال: إيمان بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا ؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله, قيل: ثم ماذا ؟ قال: ثم حج مبرور'( والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم)( البخاري ومسلم).وأصل العبادة الخضوع لأوامر الله- تعالي- بالطاعة, ومن هنا فإن العبادة لا تحتاج إلي تبرير, ولكن إذا عرفت الحكمة من وراء أداء العبادة فإن مؤديها يتمكن من إتقان أدائها بطريقة أفضل, ويسلك في أدائها سلوكا أنبل وأجمل, ويكون أجره علي أدائها أوفي وأكمل.الحكمة من تشريع فريضة الحج:(1) تعريض كل من حج البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة: فمكة المكرمة هي أشرف بقاع الأرض قاطبة, يليها في الكرامة مدينة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ثم بيت المقدس, وذلك لقول رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن الكعبة المشرفة:' هذا البيت دعامة الإسلام, من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر أو زائر, كان مضمونا علي الله- عز وجل- إن قبضه يدخله الجنة, وإن رده, رده بغنيمة وأجر'( الحارث, ابن حجر).وفي المقابل فإن أشرف أيام السنة هي الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة, وأشرفها علي الإطلاق هو' يوم عرفة'. وذلك لقول رسول الله- صلي الله عليه وسلم-:' ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة..., وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة...'( أبو يعلي, البزار, ابن خزيمة, ابن حبان). فإذا اجتمع فضل الزمان وفضل المكان تضاعفت البركات والأجور بإذن الله.(2) تذكير الحاج بمرحلية الحياة وبحتمية الرجوع إلي الله: لأن دوامة الحياة تكاد تنسي الإنسان حتمية الخروج منها, وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلي الله.(3) تذكير الإنسان بضرورة محاسبة نفسه قبل أن يحاسب: وذلك لأن للحج العديد من الأعمال الإجرائية التي منها: التوبة إلي الله من الذنوب والمعاصي, ووصل كل مقطوع من صلات الرحم, وقضاء الديون, ورد المظالم, ورد كل ما هو غير ذلك من حقوق العباد, وإخلاص النوايا لله- تعالي- والحرص علي الحلال, والتطهر من كل حرام, والحرص علي تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج, وكتابة الوصية, وتهيئة كل حاج نفسه لحساب الله- تعالي- قبل أن يحاسبه الله.(4) تدريب الحاج نفسه علي مفارقة الحياة الدنيا بواسطة المشاعر التي يدركها أثناء غسل الإحرام, ولبسه, والنية بالإحرام للحج أو العمرة أو بهما معا( متمتعا أو قارنا), وعند الوقوف بالميقات, والانتقال من الحل إلي الحرم عبر الميقات, وعند التلبية.(5) تذكير الحاج نفسه بضرورة الالتزام بأوامر الله ـ تعالي ـ واجتناب نواهيه; حيث إن جميع الخلق غير المكلف ملتزم بقوانين الخالق- سبحانه وتعالي- التي أودعها في كل أمر من أمور الكون. ولعل الطواف حول الكعبة في عكس اتجاه عقارب الساعة يذكر بذلك, وهو النظام الغالب في الكون كله.(6) تدريب الحاج علي الالتزام بسنة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- في أداء هذه العبادة الكبري, وفي كل أمر من أمور الحياة, وهو- صلوات ربي وسلامه عليه- القائل:' خذوا عني مناسككم'.(7) تذكير الحاج بجهاد السابقين من الأنبياء والمرسلين, ومن الصالحات والصالحين, ولعل في اتخاذ مقام إبراهيم مصلي, وفي الشرب من ماء زمزم, وفي السعي بين الصفا والمروة ما يذكر الحاج بذلك.(8) تذكير الحاج بيوم البعث وزحامه, ولعل النفرة إلي مني ثم إلي عرفات تلعب دورا في هذا التذكير.(9) ولعل الوقوف بعرفات يذكر بيوم الحشر فيعمل كل من أكرمه الله- تعالي- بالوقوف في هذا الموقف الكريم أن يستعد ليوم الحشر.(10) ولعل المبيت بالمزدلفة ثم بمني يذكر الحاج بآلاف الأنبياء وبمئات المرسلين الذين حجوا من قبل, ونزلوا بتلك المنازل, فيتأكد من وحدة رسالة السماء, ومن الأخوة بين الأنبياء وبين الناس جميعا, ويعلم أن ذلك كله منبثق من الإيمان بوحدانية الخالق العظيم.(11) ولعل كلا من النحر والحلق( أو التقصير), ورمي الجمار يذكر بعمق إيمان كل من عبدي الله ونبييه إبراهيم وولده الذبيح إسماعيل ـ عليهما السلام- وبضرورة التسليم لرب العالمين وطاعة أوامره, والتطهر من الذنوب والآثام, ومعرفة أبعاد المعركة بين الشيطان والإنسان والتعهد لله بالانتصار فيها لعباده الذين اختارهم لحج بيته الحرام. ثم يكون في التحلل من الإحرام, وفي كل من طواف الإفاضة والوداع رمز لانتهاء أداء هذه الشعيرة العظيمة, وعودة إلي دوامة الحياة الدنيا بذنب مغفور, وعمل صالح مقبول, وصفحة جديدة مع رب العالمين, وعزيمة علي كسب مرضاته- تعالي- باجتناب نواهيه وبعمل كل ما يرضيه, ومن ذلك: الزهد في الدنيا, اليقين في الله, الحرص علي إتقان العبادة, التمسك بطهارة النفس, وبمكارم الأخلاق, والاستقامة علي منهج الله, والاجتهاد في نصرة دين الله.(12) الحج هو أول مؤتمر عالمي في تاريخ البشرية, شرعه الله- تعالي- ليكون وسيلة من وسائل تعارف المسلمين, وجمع كلمتهم, وتوحيد صفوفهم وحل مشاكلهم, والتعاون فيما بينهم, ومواجهة التحديات التي تصادفهم, وشهود غير ذلك من المنافع التي تعود عليهم أفرادا وجماعات, ودولا, وتعود علي الإنسانية عامة بكل خير.هذا, وبالإضافة إلي ما ذكرناه آنفا إلي مكاسب الفرد المسلم( ذكرا كان أم أنثي, صغيرا أم كبيرا) من أداء هذه العبادة العظيمة, يمثل طرفا من الحكمة الإلهية بتشريع فريضة الحج, وجعلها حقا لله- تعالي- علي كل مسلم, بالغ, عاقل, حر مستطيع, ولو لمرة واحدة في العمر. لذلك جاءت الإشارة إلي الحج في هذا النص القرآني الكريم- فضلا عن غيره من العبادات المفروضة علي أهميتها ـ كما جاءت الإشارة إلي الحج في أحد عشر موضعا من كتاب الله.فالحمد لله علي نعمة الإسلام والحمد لله علي نعمة القرآن والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم وعلي آله وصحبه أجمعين- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المزيد من مقالات د. زغلول النجار
Blogger comment:
Since God's house in Mecca was the first house of worship built to man by his first father Adam it gives man the journey back to the start of faith and religion. It is also a journey back to remember Abraham the father of the three religions and his memories his son Ismail and wife Hagar in reestablishing the religion of God in Mecca again and similarly Muhammad and the first generation of Muslims. It is journey back to God to devote few days totally to him and his orders and commandments to renew faith and commitment to God and ask him forgiveness. It is a journey back to human spirituality coming closer to God and going back to where you came from to continue this journey in your heart, spirit and memory to be a better person. People who created their own religion and was not from God had also created pilgrimage, we call it the Fatra that human spirit is created with this desire to devout time to the creator to thank him, repent to him and have revival of their spirits.
Saturday, November 06, 2010
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment