مجدي حسين يكتب: إسقاط شفيق وموسى واجب وطنى ودينى
لا نزال ندفع ثمن عدم حسم مسألة السلطة مبكرا عندما ارتضينا وخدعنا بإدارة المجلس العسكرى المؤقتة للبلاد، فاليوم وبعد 15 عشر شهرا من الثورة مانزال على مفارق طرق: إما أن نستكمل الثورة بالإحلال التدريجى لقوى الشعب الصاعدة على حساب النظام البائد، وإما يعود نظام مبارك بكامل عافيته وبنفس شخوصه التى كانت فى أوائل فبراير 2011 ففى ذلك الوقت كان شفيق هو رئيس الوزراء الذى عينه مبارك، وكان عمرو موسى أمين الجامعة العربية الذى عينه مبارك.
وكانت القوات المسلحة وبقايا الشرطة تتعاون مع البلطجية لحصار الثورة وكان هذا واضحا ليس فى معركة الجمل فحسب بل فيما تلاها من أيام.
والأمر لا يتوقف على تصور عودة شفيق أو موسى لتولى أمر البلاد، فلابد أن نلحظ أن المشير هو وزير دفاع مبارك وكل أعضاء المجلس العسكرى هم من موظفى مبارك، كذلك بقى جهاز القانون والعدالة كما هو: نفس النائب العام ووزير العدل والمحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات الرئاسية. كذلك بقيت وزارة الداخلية بدون أى تعديلات جوهرية إلا بسبب الضعف وكلما استعادت عافيتها استعادتها بنفس السياسات القديمة، وهى فى كل الاحوال تحت هيمنة وسيطرة وقيادة الأجهزة الأمنية العسكرية التى تعمل لحساب شفيق وموسى والمجلس العسكرى مع بعض التنافسات التقليدية المعروفة بين الأجهزة (بعض الضباط المعروف انتماؤهم للمخابرات الحربية يعلقون لافتات تأييد لشفيق على أماكن سكنهم)!
انتخاب شفيق أو موسى يعنى إغلاق الدائرة من جديد والعودة لنقطة البدء مع إجراء بعض التحسينات، وهى تحسينات كانت الولايات المتحدة تطلبها من نظام مبارك فى سنواته الأخيرة فما الذى يضير من بعض التنفيس الديمقراطى طالما ظلت جوهر السياسات الداخلية والخارجية كما هى.
ولا بد من المسارعة بالقول بأن إجراء انتخابات نزيهة لايجعل هناك أى فرصة لنجاح أتباع مبارك. وهذا مابرهنت عليه الانتخابات التشريعية (فاز أعضاء الوطنى بـ19 مقعدا فى مجلس الشعب). وفى حالة الانتخابات النزيهة فإن فرصة شفيق معدومة.
ومن هنا يجرى الرهان على عمرو موسى كاحتياطٍ فهو يقدم باعتباره ليس غارقا فى الفساد وترك النظام منذ سنوات ويجيد الحديث للصحافة !! (على عكس غشومية شفيق التى تصل إلى حد البلاهة).
ولا شك أن عمرو موسى أسهل فى التسويق من شفيق ولكن ليحصل على 5 أو 10% من الأصوات أو أكثر قليلا. وعمرو لا يخلو من الفساد سواء فى وزارة الخارجية أو فى الجامعة العربية ولدينا تقارير طويلة عن ذلك، وهو لا يخلو من فساد شخصى (نترك ذلك لغيرنا) وهو لم يترك النظام ولا للحظة واحدة؛ فموقع الأمين العام للجامعة العربية لا يمكن أن يستمر فيه يوما واحدا بدون إذن وموافقة ورضاء مبارك.
وهو رغم تصريحاته المنمقة فإنه لم يفعل وما كان له أن يقوم بأى شىء خارج السياسة الخارجية لنظام مبارك عندما كان وزيرا للخارجية، وثبت بالوثائق أنه كان موافقا على تصدير الغاز لإسرائيل مثلا. ولا نريد الإطالة ونحن نراهن على ذكاء الشعب المصرى ووعيه السياسى الذى برهن عليه فى الثورة.
ولكن لا بد من التوضيح أن موسى (وشفيق) يعتمد على شىء نفسى جوهرى وهو إحساس المواطن بعدم الاستقرار والأمن طوال الشهور الماضية ولذلك فهو يستخدم تعبير أنه رجل دولة سيأتى لإقرار النظام، وأن له اتصالات دولية وسيحل مشكلات مصر بالتليفون!! ونحن نذكر الشعب بمسألة بسيطة جدا: إن الذين عانيت بسببهم من فقدان الأمن والاستقرار الاقتصادى هم أنفسهم الذين يدفعون لك بموسى وشفيق لتختار من بينهما، وأنهم استخدموا معك نفس شعار مبارك وابنه جمال: أنا أو الفوضى. وهذه الخطة التى كان العادلى مسئولا عنها لا تزال تنفذ لصالح المجلس العسكرى.
والمجلس العسكرى هو الطرف الثالث المزعوم فحتى وإن أراد تسليم السلطة فيريده تسليما آمنا فى الحاضر والمستقبل وليس هناك أكثر أمنا من تسليم السلطة لرئيس من نفس قبيلة مبارك، وهى بالمصادفة نفس قبيلة المجلس العسكرى !!
وقد كان من أكبر خطايا المرحلة السابقة استخدام مصطلح الفلول للإيهام بذلك الطرف الثالث المزعوم، والحقيقة فلا فلول ولا يحزنون. الفلول كلمة تطلق على بقايا متناثرة لجيش مهزوم. فى حين أن نظام مبارك قائم بشحمه ولحمه، حتى رئيس الوزراء كان وزيرا فى عهد مبارك (شرف) ثم جاءوا برئيس وزراء من عهد مبارك (الجنزورى).
كذلك فإن جوهر الجهاز الادارى بصفه الثانى على الأقل من عهد مبارك. فإذا تمكننا من إنجاح رئيس جمهورية من خارج دائرة النظام السابق، فستكون هذه نقطة مهمة على طريق تفكيك النظام القديم، بعد مجلسى الشعب والشورى.
وتكون الثورة قد حققت أهدافها بالتدريج أو بالقطاعى، ولا بأس من ذلك. ولكن مهمتنا الآن أن نحرس الانتخابات الرئاسية وأن نمنع تزويرها، وأن يكون واضحا أن تزويرها لن يمر باعتباره إنهاء عمليا للثورة، وأن الانتفاض الشعبى هو الحل الوحيد لتحقيق ما لم نحققه منذ 11 فبراير 2011: إنهاء نظام مبارك نهائيا ونقل السلطة فعلا للشعب وبعيدا عن العسكر.
إن الذين تركوا الأمن مفلوتا والاقتصاد مخروبا عن عمد طوال 15 شهرا حتى يستسلم الشعب لبقايا نظام مبارك وقدموا لنا شفيق وموسى كحل وحيد كى نبقى على قيد الحياة، كل أولئك يفتقرون إلى الوطنية والدين، لأنهم لم يقدروا حرمة دم وأموال وعرض وعيون المصريين. ولذلك فإننا عندما نقول إن التصويت لموسى وشفيق جريمة فى حق الوطن والدين. فى حق الثورة التى كانت أداة المصريين للتحرر من الطغيان فإننا لا نبالغ. وإذا لم تستدع العقيدة والوطنية فى هذا الموضع فمتى وأين يـتم استدعاؤهما؟
إن شهداء محمد محمود والتحرير ومجلس الوزراء والعباسية لم تذهب أرواحهم هباء، فقد أدت إلى التعجيل بتسليم العسكريين للسلطة.
واليوم يجب أن تكون اليقظة الشعبية فى ذروتها لأنها لحظات حاسمة. لا تخشوا تفتيت الأصوات بين المرشحين المنتمين للثورة، فاذا جرت انتخابات نزيهة فالإعادة ستكون بين مرشحى الثورة، امنعوا التزوير.. امنعوا التزوير.. امنعوا التزوير ثم اطمئنوا إلى النتيجة.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
No comments:
Post a Comment